آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 11:51 ص

نائل ودماء العنصرية

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

حين يموت شاب في القرن الحادي والعشرين في الشارع وأمام أعين الناس فقط بسبب لونه وعرقه، حينئذٍ نعلم أن مصيبتنا البشرية ليست مع كوارثنا الخارجية، من زلازل أو براكين أو فيضانات أو أعاصير تسونامي أو فيروسات أو أوبئة قادمة متوقعة، إنها تتمركز في كوارثنا الداخلية، في الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا وللآخرين، إنها الأنا المنتفخة التي تعتقد أن بعضنا أفضل من بعض بسبب لون أو عرق أو معتقد، في حين أن كل ما نحن فيه ما هو إلا لحظة قدر شكلت حيواتنا وضعتنا هنا ووضعت الآخرين هناك.

لفظ «نائل» الشاب الفرنسي من أصول جزائرية أنفاسه بعد رميه بالرصاص من أحد أفراد شرطة باريس على خلفية عدم امتثال الضحية لتعليمات دورية مرورية بالتوقف، تسببت الجريمة في اندلاع احتجاجات غاضبة عمّت أنحاء فرنسا، ولا تزال مستمرة، بينما عقدت الحكومة الفرنسية اجتماعًا طارئًا لدراسة خيارات التعامل مع الأزمة. وأعربت والدة الفتى الفرنسي عن اعتقادها أن الحادث له دوافع عنصرية، واعتبرت أن الشرطي «رأى وجهاً عربياً، طفلاً صغيراً، وأراد أن يقتله». الحادثة أعادت إلى أذهان الكثيرين في فرنسا وخارجها أحداثاً مماثلة شهدتها البلاد ففي عام 2005، تعرّض مراهقان «زياد بينا 17 عاماً، وبونا تراوري 15 عاماً» للصعق بالكهرباء في أثناء محاولتهما الهرب من الشرطة بعد نهاية مباراة كرة قدم، حيث لجأ المراهقان إلى محطة كهرباء فرعية في إحدى ضواحي باريس.

ويرى كثير من المحللين أن السبب الحقيقي وراء تكرار تلك الجرائم، هو العنصرية المتجذرة في تعامل الكثير من أفراد الشرطة الفرنسية مع المواطنين، وهو التعامل الذي يقوم بالأساس على اللون أو العرق. من المؤسف أن فرنسا، صاحبة الثورة التي غيرت وجه البشرية وأسست لمفاهيم الحرية والعدالة والمساواة، لا تزال آخذة في ضرب مفهوم حقوق الإنسان إثر تطرفها العلماني وهي تتخذ مواقف عنيفة من المخالفين للرأي المعلن فيها، فمن فرض إلغاء الحجاب، إلى اضطهاد أصحاب التوجهات الدينية من خلال سلوكيات أمنية انعكست على السلوكيات الشعبية في الشوارع، إلى رفع رئيسها للكاريكاتيرات المسيئة للنبي محمد على مباني الدولة الحكومية، إلى إيقاع عقوبات بمن لا يعلن تأييد التعددية الجندرية، وصولا اليوم إلى قتل الملونين، وماذا بعد؟ ما حدث لنائل ليس جديداً، فالملونون يموتون منذ مئات السنين على الأرض الفرنسية بشكل أساسي بسبب لونهم، كما يموت بشر آخرون في أنحاء متوزعة على الكرة الأرضية منذ آلاف السنوات لأسباب معجونة بذات الغباء العنصري. موت نائل الفرنسي، أو غيره من الضحايا في كل مكان، ليس مسؤولية المكان الذي يموتون فيه فحسب بل مسؤولية المجموعة البشرية كاملة، فدم نائل في رقبة كل البشر الذين يقتلون بسبب عرق أو لون أو طائفة هي ليست مسؤولية فرنسا البيضاء العنصرية فقط، هي مسؤولية بشر يعيشون في القرن الحادي والعشرين في أزهى عصورهم التكنولوجية في شكل خارجي جميل ومتطور، فيما داخلها لا يزال يعيش الكثير من أفراده في الكهوف المظلمة، يرتدون فيها فرو الحيوانات الفاخر ولكنهم لا يتوانون لحظة عن أكل لحمه نيئا.