آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

وقفة مع تبرُّع غيتس بكامل ثروته

عبدالله الحجي *

يقف الإنسان مندهشاً عندما يسمع هذا الخبر بأن بيل غيتس لن يورث ثروته لأبنائه الثلاثة بل سيتبرع بها للأعمال الخيرية.. فما هو الدافع لذلك؟ وما هو موقف الأبناء؟ وماهي حيثيات مثل هذا التصرف في واقعنا الاجتماعي؟

بيل غيتس هو مؤسس مايكروسوفت الأمريكية وقد تربع لعدة سنوات على قائمة أغنى أثرياء العالم بثروة تصل إلى 78 مليار دولار تقريباً، كونها بنفسه وقد أنشأ مؤسسة خيرية هو وزوجته مليندا، ولهم بذل ومساهمات جزيلة حول العالم لمحاربة الفقر والتخلص من تفشي الأمراض الخطيرة ودعم التعليم وغيره. لديه بنت واحدة وولدين ولكنه قرر مع زوجته أن يصرفا على أبنائهم ما يكفيهم للتعليم والشيء القليل لتأسيس حياتهم وتركهم للاعتماد على أنفسهم، والباقي من ثروتهما سيكون للأعمال الخيرية.

نعم الأمر ليس هينا ولكن ما هو الحافز الذي جعل بيل وزوجته يقدمان على هذا العمل؟ يقول بيل إن الدافع لم يكن دينيا وإنما هو لحفظ الكرامة وتحقيق المساواة بين الناس. كم هو جميل أن يشعر المرء بالأخرين ويملك مثل هذه المشاعر الإنسانية التي تحقق له السعادة بسعادة الآخرين وتجعله يورثهم كل ما جمعه من ثروة بجهده وتعبه متحررا من الأنانية وحب الذات والأبناء... وهذا التصرف يقابله التسليم من جهة الأبناء والتفهم بل الفخر بهذا العمل الخيري من والديهم.

لنقف وقفة تأمل مع هذا التصرف من قبل الآباء والأبناء في واقعنا الاجتماعي بشكل عام. بالنسبة للغالبية العظمى من الآباء سيقولون لقد تعبنا وشقينا لتحصيل الثروة وأهلنا هم أحق بها لتأمين حياتهم وتخفيف معاناتهم وتوفير حياة هنيئة وعيش قرير بعد وفاتهم. بل إن شريعتنا السمحاء لا تسمح للإنسان التصرف في أكثر من ثلثه بعد وفاته. إذا الحديث هو حول الثلث فقط قلّ أو كثُر، فكيف هي الوصية بحق الثلث وأين وكيف يصرف؟ وماهي النسبة المخصصة للأعمال الخيرية التي تخدم المجتمع وترفع من مستواه وتحسن وضعه في مختلف المجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها مع وجود المحفزات والمغريات والثواب الجزيل الذي أعده رب العالمين؟ قال الإمام علي : «إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني والله سائلهم عن ذلك».

أما من ناحية الأبناء فلا يستبعد لو أقدم أحد الآباء على التصرف بكامل ثروته للأعمال الخيرية أو غيرها في حياته أن يُحجر عليه ويُتهم بالجنون. فالأبناء يرون أنفسهم هم أحق بتلك الثروة من غيرهم ولن يسمحوا بالتنازل عنها مهما كلفهم الأمر.

تصرف غيتس نبيل ويحمل أسمى مراتب الإنسانية حتى وإن لم يكن من منطلق الدين حسب قوله، البذل والعطاء لا يختص به دين من الأديان، ولكي نبتعد عن التعميم فإننا نعتز ونفخر بنماذج تميزت بالبذل والعطاء في مجتمعنا وسوف يتم تسليط الضوء على البعض منها في مقال مستقل بمشيئة الله تعالى.