آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:08 ص

من يرسم ثقافة أبنائنا الجامعية

عباس المعيوف * صحيفة الشرق

ثمة اختلاف ثقافي ونوعي وتربوي بين المرحلة الثانوية والمرحلة الجامعية، هذا يعني تقديم قراءة جديدة في مفهوم التربية التعليمية، فبعد مضي 12 سنة من تراكمات وإرهاصات فكرية وتربوية وسلوكية وثقافية عانقتها متغيرات وخصائص أثرت حتماً على شخصياتهم، وبالتالي أصبحت هناك فجوة لابد من ردمها ومتابعتها حتى لا نقع في صدام معرفي.

تعبر أستاذة علم النفس المعرفي في جامعة الكويت الدكتورة هيفاء اليوسف عن هذه المرحلة: بالتالي فإن انتقال أبنائنا الطلبة والطالبات من المرحلة الثانوية إلى رحاب الحياة الجامعية على اتساعها يعتبر خطوة مهمة في حياتهم، ونقلة نوعية كبيرة بما تحمله من تغيرات نفسية وفكرية في الشخصية والنمط والروتين المعتاد، وهذا ما يستدعي تعاوناً تربوياً من جميع الأطراف لتهيئة الطالب والطالبة لدخول تلك المرحلة بدءا من السنوات الأخيرة في المرحلة الثانوية؛ حيث يقع على عاتق المرشد الأكاديمي الثانوي أن يساعد الطالب على التعرف على ميوله وقدراته والفرص المتاحة له في تخصصات الجامعة على اختلافها، كما يهيئه للاعتماد على النفس، ويعده إعدادا جيدا لخوض غمار الحياة الجامعية بما تحمله من حياة مغايرة تماما عن المرحلة الثانوية. ولعل أولى تلك الاختلافات نمط الدراسة والتدريس الذي يعتمد على الحوار والمشاركة والتفاعل المتبادل بعيدا عن التلقين المباشر والاستماع الذي اعتاده الطالب في المرحلة الثانوية، كما يقع على عاتق الطالب الجامعي مسؤولية البحث والقراءة والاطلاع للاستزادة في فهم المقررات المدروسة بعد أن كانت المعلومة تصل إليه أثناء جلوسه في الفصل الدراسي بشكل حرفي نمطي تحد من قدراته المعرفية والحوارية، كما يختبر الطالب المستجد فرصة اختيار المقررات والأساتذة بطريقة أوسع تعطي حرية أكبر للطالب في الاختيار وتحمل المسؤولية والاستقلالية التامة في وضع الخطوط الأولى لمستقبله الأكاديمي ومن ثم الوظيفي والمهني.

ورغم ما يحمله ذلك من متعة واستقلالية ومجال للانطلاق للطلبة إلا أنه أيضا يضفي عليهم حجماً من المسؤولية في تحديد مجالاتهم وتخصصاتهم المستقبلية بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل من ناحية، وميولهم وقدراتهم من ناحية أخرى. وهنا يأتي دور الإرشاد الأكاديمي الجامعي الذي يجب أن يكون دوره أكثر تفعيلاً وقدرة على احتواء تساؤلات وحيرة الطلبة الجدد والأخذ بيدهم للتعامل بطريقة صحيحة مع متغيرات تلك المرحلة وإعطائهم الأدوات المناسبة للتعامل معها بكل متطلباتها. يأتي ذلك التغير الكبير في الروتين والنمط اليومي والتغيرات النفسية والفكرية.. مما يشكل ضغوطا قد تسبب عبئاً نفسياً لديهم. كل هذا لا يعني الارتباك والخوف، وإنما حالة طبيعية. في الجامعة يجتمع جميع شرائح المجتمع بمختلف انتماءاتهم الدينية والفكرية والثقافية، ويبقى عنوان الوطن والمواطنة هو الإطار العام للعلم والمعرفة في الحرم الجامعي، بمعنى الانصهار في الحركة التعليمية دون الخروج على النص والسعي للشذوذ والتمرد على الرأي العام. المواطنة الصالحة تعني أن يكون الاحترام ثقافة مرجعيتك، وأن يكون الوطن في حياتك دستور حياة. الهدف في النهاية هو صناعة ثقافة للطالب الجامعي ليبني مستقبلاً باهراً مليئاً بالعطاء والعمل والتغير داخل المجتمع الواحد ومدركاً لكامل الجوانب الثقافية، فالتعليم الجامعي هو الأساس الذي تقوم عليه النهضة الحضارية لكل أمة.

هناك عوامل من شأنها المساهمة في تكوين ثقافة الطالب الجامعي منها:

1 - الدكتور وما يحمل من ثقافة خارج الدرس والشطط الفكري في الطرح والإصرار على أنها جزء من المادة في التخصص، أضف إلى ذلك ميوله الفكرية والثقافية والدينية.

2 - المادة العلمية التي ربما تتصادم مع عاداتنا وتقاليدنا.

3 - الانفتاح على الأطروحات الأخرى والذوبان فيها وكأنها هي الحق المطلق من السماء، متناسياً أنها نظريات أتت وفق ظروف زمنية معينة لها أهدافها وتباعاتها.

4 - الإكثار من الاطلاع في التخصصات الأخرى ومخالطة من تثق في ثقافتهم وفكرهم.

5 - المخالطة مع زملاء الدراسة والحرص على انتقاء أفضلهم والالتصاق بهم.

يقول المفكر الإسلامي الشيخ محمد اليعقوبي: الطلبة الجامعيون شريحة مهمة من المجتمع، وعليهم تنعقد الآمال في قيادة الأمة في المستقبل القريب، فإنهم سيتوزعون على مراكز القرار والمسؤولية في جميع النواحي، فإذا كانوا صالحين وأكفاء وأقوياء فإن الأمة ستعيش في سعادة وأمان، وإذا كانوا فاسدين - والعياذ بالله - فإن الأمة ستعيش حالة الفقر والحرمان، وستقع في مهاوي الذل والامتهان.

الحفاظ على الهوية الدينية والعادات والتقاليد هو محور التحدي الحقيقي لأبنائنا الطلبة والطالبات سواء في الداخل أو الابتعاث في الجامعات الدولية، فكثير مع الأسف انحرف وضاعت هويته الوطنية؛ لكونه لا يحمل قاعدة ثقافية وفكرية، وإنما عواطف وشعار. وبطبيعة الحال تحمل الجامعات الأجنبية أجندة منها التشكيك في العقيدة الإسلامية وطرح شبه الإلحاديين.

من المهم أن تكون هناك جملة من النصائح والتوجيهات لطلاب وطالبات هذه المرحلة الحساسة التي أعتقد مسؤوليتها في تشكيل عقل الفرد بنسبة كبيرة وبناء كيانه المستقبلي:

• اغتنموا وقتكم في التعليم والتحصيل الأكاديمي، ابحثوا عن كل ما هو مفيد في مكتبة الجامعة.

• حافظوا على هويتكم الوطنية من خلال الابتعاد عن مواضع الشبهة والتجمعات.

• ليكن تعاملكم مع الجميع إنسانياً قبل أن يكون مذهبياً أو على أساس ديني رسالته الحب للجميع.

• شاركوا في جميع أنشطة الجامعة، وحاربوا الفرقة والتشرذم الاجتماعي.

• انفتحوا على الآراء الأخرى والقراءة الحرة والمنفتحة.

• كونوا حريصين على الحفاظ على خدمات الجامعة ونظافتها.

• أنتم لا تمثلون أنفسكم، بل تمثلون شريحة اجتماعية، فكونوا نعم الممثلين.

• أسهموا في نشر ثقافة الوعي والسلم الاجتماعي والحب والمودة والألفة مع الجميع.

بناء العقل الجامعي للطالب والطالبة مسؤولية ذاتية، فالاستسلام والانبهار لكل ما يطرح من أفكار ورؤى في هذه المرحلة في التفكير للمستقبل، يدعونا مرات ومرات للتأني في قراءة واقعنا المعاش بأسلوب علمي وحكيم يصب في صالح الشأن العام.