آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

العمل التطوعي.. والخسارة الكبرى

عبدالله الحجي *

حثت ورغبت الشريعة المقدسة في السعي لخدمة الإخوة المؤمنين لما لها من الفضل والثواب عند الله عز وجل. فها هو رسول الله ﷺ يقول بأن أحب الخلق إلى الله هم أنفعهم للخلق كما ورد في الحديث: «الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله عز وجل أنفعهم لعياله» [1] . وعن الحسين بن علي أنه قال: «اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتتحول إلى غيركم» [2] . وورد عن الصادق : «من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه اللّه، كتب اللّه له ألف ألف حسنة، يغفر فيها لأقاربه وجيرانه وإخوانه ومعارفه» [3] ، وعنه ايضاً «من قضى لأخيه المؤمن حاجةً، قضى اللّه عزّ وجل له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أوّلها الجنة» [4] ؛ بالإضافة إلى الكثير من الروايات.

مجالات الخير والعمل التطوعي كثيرة ومتنوعة في مجتمعنا وهنيئا لمن وفق لهذه النعم الإلهية وانفتحت له بعض من أبواب الرحمة الربانية ليتشرف ويحمل وسام الخدمة على صدره لإخوانه المؤمنين. العطاء غير محصور بنشاط معين أو جهة اجتماعية محددة فالساحة تسع الجميع ليقدموا خدماتهم كل حسب طاقاته وامكاناته وميوله ورغباته ليقضي حاجة لإخوانه ويدخل الفرح والسرور عليهم فيكون كمن أدخل السرور على رسول الله ﷺ كما قال: «من سر مؤمنا فقد سرني، ومن سرني فقد سر الله» [5] .

إنه طريق من طرق الخير والتوفيق الإلهي، ولكنه طريق خطر يمكن أن تنزلق وتزول قدم المتطوع فيه ويذهب عمله هباء منثورا من حيث لا يشعر، بل أنه يظن أنه يحسن صنعا ويسير على الطريق السليم. قال الله تعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا» [6] .

هذه المجالات عادة لا يتقاضى عليها الشخص أجرا ماديا «أو ربما يتقاضى شيئا يسيرا»، وتكون خالصة قربة إلى الله تعالى. وهنا تكمن الخطورة مع النفس الأمارة بالسوء لتزين هذا العمل لصاحبه وتجعله يسعى ويفتش عن الوجاهة الاجتماعية، والمرتبة والمنصب، والسمعة والشهرة ليشار إليه بالبنان ويذيع صيته، ويبحث عن الشكر والثناء والتكريم من المخلوق وليس من الخالق جل وعلا. عندما يشوب عمله الرياء ولا يكون قصده وهدفه الباطني خالصا لوجه الله تعالى فلا تنفعه لقلقة اللسان بأنه يقوم بذلك قربة إلى الله تعالى فهو يتعامل مع من لا يخفى عليه شيء ولا يمكنه خداعه «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» [7] .

وما أبرء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء وكل من سلك هذا الطريق فهو بحاجة لأن يختبر نفسه بين الفينة والأخرى ويسأل نفسه ما هو الدافع والحافز من قيامه بما يقوم به. أهو خالص لوجه الله تعالى أم أنه من أجل الشهرة والسمعة، والوجاهة والمنصب، وليسمع عبارات الشكر والثناء من المخلوق، ويشار إليه بالبنان، وتلاحقه الفلاشات وكاميرات التصوير لتملأ الصحف والمواقع الالكترونية، و.. و.. و؟ كل من انخرط في هذا المجال فهو بحاجة لاختبار عملي كما أورد السيد دستغيب في كتابه «القلب السليم»: لو وجد طالب علم يتصدى لتدريس العلوم الدينية فعليه أن يختبر نفسه هل أن ما يقوم به عبادة واطاعة لأمر الله أو أنه لإبراز نفسه وكمال ترويحها والتظاهر وزيادة الأتباع والأنصار. فلو أنه شعر بالألم والانكسار والتأثر عندما يقل أتباعه أو ينصرفون إلى شخص آخر ويصغون لغيره ويمدحونه فعليه أن يراجع نفسه ونيته والدافع لما يقوم به. وعلى ذلك فقس فلو وجد شخص في مؤسسة خيرية وطلب منه التنحي لوجود من هو أكفأ منه وأنفع لتقديم خدمات أفضل فليسأل نفسه هل يتنازل له أم أن ذلك يزعجه ويرفض التخلي عن الكرسي؟ فإن رفض فليراجع حساباته في طوال سنوات خدمته هل حقا كانت خالصة لوجه الله تعالى بقلبه، أم أنها مجرد كلمات امتزجت بلعابه ليحقق أغراضا ومصالحا شخصية من خلال هذا الباب؟

ورد في الحديث القدسي: «الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببته من عبادي» [8] . نسأل الله أن يعيننا على أنفسنا وأن تكون قلوبنا أوعية لهذا السر، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

 

[1]  وسائل الشيعة: 16 | 345

[2]  بحار الأنوار: 75 | 127

[3]  الكافي: 2 | 197

[4]  الكافي: 2 | 193

[5]  الكافي: 2 | 188

[6]  سورة الكهف 103 - 104

[7]  سورة غافر 19

[8]  معجم المحاسن والمساوئ: 502
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
عاشق الزهراء
[ الهفوف _ حي الملك فهد ]: 22 / 3 / 2017م - 8:08 ص
أحسنت وشكر الله سعيك