آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

لنتعلم من أزمة سوريا

جعفر الشايب * التجديد العربي

بدأت أخبار الأحداث في سوريا تخبو تدريجيا من مختلف وسائل الإعلام بعد أن كانت تملؤها بتفاصيل تطوراتها اليومية، وكذلك التفاعل والحماس الذي كان سائدا طوال الست سنوات الماضية منذ أن بدأت الأحداث هناك. ومع كل الخسائر البشرية والمادية الكبيرة والتضحيات الانسانية الضخمة والمفجعة، والدمار المؤلم الذي تمر به البلاد في بنيتها كدولة، والثروات المهدرة التي أنفقت خلال هذه الأحداث، إلا أن معظم ذلك سيكون طي النسيان سريعا، والأدهى أننا لن نتعلم من هذه الأزمة المريرة التي شغلت العالم كله أي درس أو نستفيد أي تجربة.

اختلفت المراهنات على التحولات السياسية وتباينت المواقف المختلفة، وكان المؤشر يميل إلى غلبة اتجاه معين في لحظة ما، لكنه سرعان ما يعكس اتجاهه لطرف آخر، وفي كلا الحالتين يختطف من أبناء الوطن الآلاف من الأرواح مع كل حركة بأي اتجاه كانت. عندما نتأمل في هذا الأزمة تلوح أمامنا مجموعة حقائق مغيبة في ظل تسارع حماسة التشجيع مع فريق ضد الآخر، ونتجاوزها متأملين إلى انتصار أحد الفريقين غير مكترثين بمئات الآلاف من البشر الذين يذهبون ضحايا هذا الصراع العبثي المحموم.

أولا: أن الإصلاح الشامل يجب أن يكون مستمرا ومتواصلا وسباقا قبل تفاقم الأزمات، فالأنظمة الشمولية تؤجل أي إصلاح إلى أن تتعالى أصوات المطالبة من قبل مختلف فئات الشعب وقواه وذلك بهدف إعادة الهيمنة والسيطرة على مفاصل الدولة. وعندما تقدم وجبات الإصلاح متأخرة ومجزأة مهما كانت كبيرة فإنها تفقد أي مفعول، ولا تتمكن من إخماد الحركة المطلبية الشعبية المتنامية والتي تكتسب المزيد من الدعم والتأييد مع مرور الزمن. إن المبادرة لإحداث إصلاحات استباقية من قبل هذه الأنظمة لتفعيل الدساتير والحياة الديمقراطية وتخفيف هيمنة السلطة المركزية وتوزيع الصلاحيات وتعزيز المشاركة الشعبية، كل ذلك تعتبر من العوامل التي تدعم الخيار الديمقراطي وتقلل من الخسائر وتكلفة المواجهة والصدام مع الشعب.

ثانيا: القوى الشعبية عندما تفقد المشروع الوطني البديل، ولا تعد الاستراتيجية الواضحة للتحرك المطلبي، ولا تمارس العمل الديمقراطي داخلها فإنها بكل تأكيد ستقود البلاد إلى الهاوية، وستكون في أعمالها أسوأ من النظام السياسي الذي تعمل على معارضته وإسقاطه. يجرها ذلك إلى التخبط في الاستراتيجيات والتنافس السلبي الحاد بينها، وأن تكون عرضة لقبول أجندات ومشاريع خارجية تملى عليها، ولا تتناسب مع مشروعها السياسي.

ثالثا: التدخلات الخارجية في المشروع الوطني مهما بدت صادقة ومتوافقة مع توجهات المعارضة، إلا أنها ستتعارض في يوم ما مع الأهداف الوطنية، فكل جهة خارجية لها أجندتها الخاصة التي تعمل عليها، وإتاحة المجال لتدخلاتها ستفرز جماعات وأحزاب معارضة وهمية وغير حقيقة ولكنها قد تمتلك الامكانيات أكثر من غيرها. ولهذا فإنه لا يمكن الاعتماد والتعويل على أي قوة خارجية لأنها ستحرف مسار العمل الوطني وتجعله فاقدا لمصداقيته وجماهيريته.