آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 11:56 م

الطبقة الوسطى الرابح الأكبر من كبح الفساد

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الإلكترونية

ما الطبقة الوسطى؟ الاجابة الرقمية: الأسر التي يتراوح دخلها بين الوسيط «median» وضعفه، وبافتراض أن وسيط الدخل للأسر في السعودية يساوي نحو 7800 ريال شهرياً، فنحن نتحدث عن شريحة من الأسر التي يتراوح دخلها بين 7800 - 15600 ريال شهرياً.

أما الاجابة المرتكزة إلى الاقتصاد السياسي فتختلف نوعاً؛ فهي طبقة من يعيش في بحبوحة اقتصادية مكتسبة وليست متوارثة، بمعنى أن الأب مثلاً ولد في قرية لأسرة تعمل بالفلاحة، ثم تعلم والتحق بجامعة فأصبح طبيباً ثم استشارياً ناجحاً عليه إقبال، تخطب المستشفيات وده، هذا مثال للطبقة الوسطى!

الطبقة الوسطى لا تحوي من هم على الحافة الاقتصادية، فهي الطبقة الواقعة بين الطبقة الثرية التي تشمل كبار الملاك، وبين الطبقة العاملة؛ بمعنى أن الأسرة في الطبقة الوسطى تعيش في بحبوحة، فهي الطبقة التي تضم المهنيين ورجال الأعمال.

ورغم توسع بعض الأدبيات التقليدية في جدلية ماهية الطبقة الوسطى، إلا أن دخل الأسرة عامل أساس في تصنيف الطبقة التي تنتمي لها الأسرة؛ فإذا أخذنا ما تناولته وثيقة «حساب المواطن» من تصنيف الأسر السعودية، وفقاً للدخل، إلى خمسة أخماس، فيكون ملائماً القول إن الطبقة الوسطى هي الخُمس الثالث، وذلك يعني أن الخُمسين الأول والثاني يمثلان الطبقة العاملة، في حين أن الخُمسين الرابع والخامس يمثلان الطبقة الثرية. لكن ذلك يفترض افتراضات غاية في الغلظة؛ أن توزيع الثروة يتبع التوزيع الاعتيادي احصائياً، وأن لا انتشار كبير للفقر من جهة أو للثراء الواسع من جهة أخرى.

ولعل الأقرب للواقع الافتراض أن الخُمس الأول يضم الأُسر الفقيرة، والخُمس الثاني يضم الأسر ممن هم فوق خط الفقر النسبي ولكن تحت خط الكفاف «أو الكفاية»، وأن الخمس الثالث هو الطبقة العاملة، والخمس الرابع هو الطبقة المتوسطة «المهنية ورجال الأعمال»، والخمس الخامس يشمل الطبقة الثرية. وهكذا، فيمكن الجدل ان احد محددات نجاح ”الرؤية السعودية 2030“ يكمن في توسيع ”الخُمس الرابع“، الطبقة الوسطى. فهذه الشريحة عصامية بطبيعتها، لا يعتمد نجاحها على الحصول على دعم، بل إزالة المعوقات من طريقها.

توزيع الأُسر السعودية بهذه الطريقة هو مجرد فرضية بحاجة إلى اختبار باتباع المنهج الاحصائي، ومع ذلك فملائم القول «من باب الافتراض كذلك» أن «الأخماس الخمسة» ليست متساوية بالضرورة، بمعنى أن كل خُمس قد يكون أقل أو أكثر من 20%! وهكذا، فلعل من الأدق تسمية الأخماس فئات أو مساقات أو شرائح مثلاً، إذ ليس متصوراً أن أُسرّ كبار الملاك والأثرياء تمثل 20% بل لعلها أقل من ذلك. وليس من شك أن العديد من مستهدفات الرؤية سيكون لها تأثير على المشهد الاجتماعي - الاقتصادي، مثل الحرص على رفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وخفض البطالة، على سبيل المثال لا الحصر. ولا يمكن تجاوز أهمية الجهود التي تبذل من قبل العديد من البرامج لدعم الريادة والرياديين، والسعي للحد من الاحتكار وقطع دابر الفساد والحد من الاستئثار بالفرص، فالرياديون والعصاميون ينادون بعدم اعاقتهم، بإتاحة السوق لهم، لا أن تكون الأسواق - بصورة أو بأخرى - نادياً مغلقاً يتعذر النجاح فيها إلا لمن ”سبق ولحق“.

فأن وصل شخص للسوق قبل 50 عاما وحقق نجاحا وتوسع وتملك أذرعاً، فذلك ليس سبباً كافياً لاغلاق السوق او الحد من سهولة الوصول له والخروج منه، فذلك يجلب للمجتمع منافع لا تحصى. منها أن شريحة الرياديين هي بمثابة البذور التي ستبذر وترعرع لتأخذ مكانها في الطبقة الوسطى؛ هي الشريحة التي ستجلب اقتصادنا الإبداع والابتكار وتنويع وزيادة انتاجها من السلع والخدمات، وهي التي ترتقي الإنتاجية وتحسينها باستمرار، باعتبار أن الريادة في الأساس تعتمد على روح المنافسة ومقاومة الفشل والإصرار على النجاح.

وهكذا، فهي الشريحة التي لا تعيش لتبحث عن تلقي الدعم، فكل ما تطلبه هو إزالة العوائق.

ومع ذلك لابد من الإقرار أن ليس منطقياً افتراض أن المجتمع برمته سينتقل عبر جهود الريادة ليصبح ليس بحاجة للدعم، بما يجعلنا أمام أمرين متداخلين؛ الأول: العمل لتوجيه الدعم لمستحقيه، ففي ذلك الحد من هدر المال العام، وهذا أمر لن يختلف على أهميته اثنان، أما الأمر الآخر فهو: تحديد المعيار «أو المعايير» الذي يحدد مَنّ يستحق الدعم النقدي؟ فيما يتعلق بالأمر الأول «توجيه الدعم لمستحقيه» فهو أقل صعوبة. أما الأمر الثاني «ما المعيار الذي يحدد من يستحق الدعم النقدي؟»، فأظنهُ الأكثر تعقيدا؛ إذ يتطلب تحديد ثلاثة خطوط تماس؛ خط الفقر، وخط الكفاف، وخط البحبوحة. بما يدفع لافتراض أن الأسر التي يقع دخلها - إن كان لها دخل مستقر - بين خطي الفقر والكفاف تستحق دعما كاملا، فيما تستحق الأسر التي يقع دخلها بين خطي الكفاف والبحبوحة دعما جزئيا متفاوتا.

وباعتبار أن هذه «الخطوط» تتفاوت حدودها من بلدٍ لآخر، لاعتبارات ميدانية واجتماعية - اقتصادية عديدة مما يعني أهمية تحديدها، لما لذلك من تأثير جوهري في تحقيق العلة الأساس من تقديم الدعم، لكن الطموح يتجاوز ذلك، اخذاً في الاعتبار أن توجه الرؤية وبرامجها الارتقاء بمستوى المعيشة، مما يعني دعم الفقير باعانة نقدية حتى لا يعاني في دفع فواتيره، وبالتوازي مع ذلك ازالة الحواجز ووضع المُمكنات أمام أفراد المجتمع ليساهموا في بنائه. ولابد من بيان ان خطوات قد قطعت في ذلك الاتجاه، لعل من أمضاها أثراً زيادة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل، عبر اتاحة سوق العمل لها، وتوفير الممكنات تبعاً التي آخرها النقل وخدمات الحضانة للأطفال.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى