آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الأمكنة والمشاعر الإنسانية

محمد الحرز * صحيفة اليوم

الإنسان حين يولد على هذه الأرض، إنما يولد في بقعة معينة فيها، يولد في قرية أو مدينة أو غابة أو جزيرة نائية، حتى الذين يولدون على سبيل المثال في الجو أو في البحر كحالات استثنائية، فإنهم بالتالي لا يولدون في الفراغ، بل يحتضنهم مكان معين ومعروف لدى الكثير من البشر، حيث حينها سيتخذ صفة مكان الولادة بالنسبة للشخص، وسوف تلازمه هذه الصفة إلى يوم مماته. هذه المعلومة تقريبا يعرفها جميع الناس، فحين تسأل أي شخص أين مكان مولدك؟ سيجيبك عنه دون أدنى تردد اللهم إلا في حالات استثنائية كالمريض الفاقد للذاكرة أو المجنون.

لكن ما يختلف الناس فيه حول مكان مولدهم هو الانطباع العام الذي يحملونه في نفوسهم وفي ذاكرتهم عنه، وهو انطباع يمكن النظر إليه على اعتبار أن الطبيعة البشرية تختلف من شخص إلى آخر، حسب العامل التربوي الذي يخضع له الفرد، سواء أكان منه التأثير النفسي أو الأخلاقي أو الثقافي المرتبط بعادات وتقاليد اجتماعية في بلد أو مدينة معينة. كل هذه مجتمعة تؤدي إلى تكوين مثل هذا الانطباع الذي سيكون ملاصقا لشخصية هذا الفرد أو ذاك كعلامة مميزة يتعرف عليه - من خلالها - الآخرون.

لكن السؤال هنا: كيف نتعرف على هذا الانطباع في شخصية الفرد إذا ما أردنا أن نميز هذه الشخصية عن تلك؟

من خلال ملاحظة مشاعر الحب والكره، الفرح والحزن، وطريقة التعبير عنها وإظهارها، وهي مشاعر يمكن ملاحظتها بشكل يومي؛ لأنها جزء من كيانه، تكبر معه من مولده إلى مماته.

لكن الملاحظة الأهم هي أن هذه المشاعر ترتبط ارتباطا وثيقا بالمكان، فكل لحظة حزن أو فرح، لحظة حب أو كره هي قصة، وكل قصة هي حدث، وكل حدث له مكان وزمان محددان. والذكريات التي يتحدث بها الإنسان عن نفسه هي من قبيل هذا الارتباط بين المشاعر والمكان، وكلما كان المكان مؤثرا بصورة قاطعة في حياة الفرد كانت المشاعر حادة من الجهتين: فرح أو حزن، وعادة ما تؤدي إلى عقد نفسية، خصوصا تلك المرتبطة بأمكنة الولادة، بل تؤدي إلى الموت مثلما هو الحال عند بعض الكتاب الذين عاشوا مأساة الحروب. فالذين ولدوا على سبيل المثال في معتقلات الموت للاحتلال النازي أو الذين عاشوا طفولتهم هناك فالكثير منهم انتحروا، ولم يتحملوا وطأة تلك الذكريات عليهم.