آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

كيف ستسبح منشآتنا الاقتصادية بدون ”عوامات“؟

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الإلكترونية

نصت الرؤية على تنويع الاقتصاد المحلي، لنتخلص من سطوة السائل الاحفوري، ولنعيد هيكلة اقتصادنا، ولنضيف له أنشطة. لكن كيف؟ ليس القصد من طرح السؤال تثبيط الهمم، أو التشكيك في قدرتنا على ركوب الصعاب، بل للتذكير أن شعار التنويع الاقتصادي كان قد رفع من قبل الخطة الخمسية الأولى في العام 1970، وحققنا اقتصاد فيه تنوع لكنه ”يسبح“ في بحيرة من النفط، ويبدو أنه لم يتعلم فنون السباحة في ”المياه“ غير النفطية. كيف نجعل حتى القطاعات غير النفطية الحالية، مثل الصناعة والزراعة وسواهما، أن تعوم بعيداً عن النفط؟ قد يسأل أحدٌ: وهل ”عوم“ أنشطتنا الاقتصادية خارج بحيرة النفط أمراً صعباً؟ الاجابة: لا شك، فالعوم في بحيرة النفط سلسة سهلة، فهي بمثابة العوامات التي نضعها على أذرعة من لا يجيد السباحة حتى لا يغرق؛ هو لا يجيد السباحة لكنه لا يغرق!

ماذا يعني لانشطتنا الاقتصادية أن تسبح في بحيرة مياه وليس بحيرة نفط؟ يعني أن تعمل بلا دعم ولا إعانات، وبذلك فإن تلك الأنشطة سيكون لزاماً أن ”تعوم“ بلا عوامات، كيف ذلك وهي لا تجيد العوم؟! لذلك كان تخليص الأنشطة الاقتصادية من ”العوامات“ بالتدريج، عبر سنوات عدة، حتى نهاية العام 2019، وقبل أسابيع قليلة أعلن وزير المالية أن أمد تحقيق برنامج التوازن المالي لمستهدفاته سيمتد حتى نهاية العام 2022، أو ربما بعد ذلك، وذلك يعني أن الفسحة الزمنية المتاحة للأنشطة الاقتصادية أطول لتتمكن من السباحة في المياه الاعتيادية، والاستغناء عن الدعم والاعانات الحكومية.

لكن، عملياً ماذا يعني هذا؟ ماذا يعني أن نتخلص من الاعتماد عن النفط اقتصادياً؟ يعني أن ”تعوم“ كل منشأة اقتصادية ذاتياً. لكن كيف بوسع منشآتنا أن تعوم ذاتياً مستغنية عن ”العوامات“؟ علينا أن نتذكر أن العديد من منشآت القطاع الخاص لا تريد التخلي عن ”العوامات“، وهذا يعني بداهة أنها تصر على السباحة في بحيرة النفط، وبالتالي فإن انتهجنا النهج الذي تريده هذه المنشآت، فلن يتخلص اقتصادنا من اعتماده على النفط، وسنبقى ننادي به شعاراً، ولا نطبقه واقعاً!

وبالقطع، فإن النفط عزيز وغالي، كان ومازال وسيبقى، لكني أتحدث عن الانشطة الاقتصادية غير النفطية، أي المنشآت التي تمارس التجارة والزراعة والصناعة التحويلية غير النفطية والسياحة والخدمات، وحتى تنجح مساعي اقتصادنا الوطني في التنوع، وانتقاله حقيقةً من اقتصاد ريع إلى اقتصاد انتاج، فلابد أن يستجد أمرّ لم يحدث من قبل، وهو انتشال انتاجية الاقتصاد السعودي مما هي عليه، لتتماهى مع الاقتصادات المنافسة على أقل تقدير، وإلا فإن تلك الاقتصادات ستكتسح أسواقنا المحلية لتتآكل حصص المصنعين والتجار والمزارعين المحليين، فضلاً أن لن يكون بوسعهمالتصدير للخارج نظراً لقصور مستوى الانتاجية عن تلك البلدان.

إذاً، حتى تتمكن المنشآت الاقتصادية غير النفطية أن تسبح بدون ”عوامات“ عليها أن تحسن انتاجيتها. وتحسين الانتاجية ليس شعاراً، بل هو أمر محدد وقابل للقياس، وعلينا الارتقاء بها، وهذه مسئولية كل منشأة اقتصادية، إن كانت راغبة أن تبقى وتزدهر في السوق.

ولابد من الاقرار أن فعل ذلك ينطوي على مكابدة وتحدي للذات، لكنه أمر لابد منه. وقد يُطرح سؤال: هل موضوع الانتاجية وبحيرة النفط حقيقة أم مجرد تنظير؟ يبدو أنها حقيقة عاصفة، إذ أن انتاجية المشتغل في قطاع النفط تعادل 13 ضعف انتاجية قطاع الصناعة التحويلية! وفي حال ابعاد القطاع النفطي تتراجع انتاجية القطاعات غير النفطية بمقدار الرُبع. وهكذا، يمكن القول أن فترة تحقيق برنامج التوازن المالي هي - بالنسبة للمنشآت الاقتصادية - فترة التحول من الاعتماد على الاعانة إلى الاعتماد على الكفاءة، مما يعني أن ما يقايل برنامج ”التحول الوطني“ للقطاع الحكومي يسعى للخصخصة، هو برنامج وطني لتحول القطاع الخاص يسعى للانتاجية ورفع الكفاءة، فكما أن الجهاز الحكومي يحتاج الخصخصة ليرفع من كفاءة الانفاق، كذلك القطاع الخاص يحتاج الارتقاء بالانتاجية ليرفع من قدرته التنافسية بما يمهد الطريق - بعد انتظار طويل - للتنوع الاقتصادي الناجز.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى