آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

تائهون في سحر الأجهزة الذكية

عباس سالم

التطور التكنلوجي في هذا العالم أسفر عن مكتشفاتٍ ومبتكراتٍ تقنيةٍ شامخةٍ ومفيدةٍ لا حد لها سواءً في ميادين تسهيل الحياة العملية أو تحقيق الرفاهية لنسبةٍ عاليةٍ من البشر الذين أدمنوا عليها.

لا نعرف ماذا حل في هذا العالم اليوم في ظل الطفرة المعلوماتية «الحاسوب»، كل شيء أصبح بين أيدينا وفي جيوبنا بعد أن كانت أكثر الخدمات التي يريدها الإنسان تحتاج إلى وقت طويل للحصول عليها، اليوم الفانوس السحري بلمسة زر يضيء لنا جهازنا الذكي ونطلب ما نريد من خدمات حكومية ومعاملات بنكية وحجوزات سفر وغيرها من الخدمات التي نريدها!

إن الأجهزة الذكية قد أشغلت الجميع منا، صغاراً وكباراً نساءً ورجالاً حتى الأطفال لم تستثنهم بل أشغلتهم بالإدمان عليها، فراح الطفل يلهو طوال اليوم منشغلاً بالألعاب الموجودة فيها كأنه عمل سحري موجه إليه! فلا وقت عنده للحديث مع والديه أو من معه في البيت عدا انزوائه بجهازه يداعبه في أحد أركانه.

إن الواتساب وتويتر والفيس بوك وغيرها من المواقع الموجودة داخل أجهزتنا الذكية قد أشغلتنا بسحرها، وأخذت منحى خطيراً في تأثيرها على الناس في صور وأشكال مختلفة، فإن سوء استخدام مثل هذه الأجهزة يؤدي إلى تشتت التفكير، لذا أصبحت حياتنا وحياة الآخرين في خطر بسبب انشغالنا بها طول الوقت.

إن أكثر الناس اليوم صاروا منشغلين بأجهزتهم الصغيرة أثناء قيادة السيارة! وذلك بإرسال التحيات الصباحية أو بإرسال قائمة الإفطار لزملائهم أو التفرج على صور أتتهم من هنا وهناك، غير مبالين بمن هم أمامهم في الطريق أهي سيارة متوقفة، أم رجل أو امرأة يهمان بالعبور، أم طفل يلهو بجانب الرصيف لا يعلم بأن في هذه السيارة شخصاً منشغلا باستخدام الواتساب في جهازه، حوادث مميتة كل ساعة أو أقل بسبب استخدامنا للجوال أثناء القيادة! فهل بإمكاننا إيقافها؟

أيها الآباء وأيتها الأمهات انتبهوا لصغاركم فهناك برامج إلكترونية تروجها عصابات دولية إجرامية تنشط عبر الإنترنت، مستهدفة الشريحة العمرية الهشة مثل الأطفال والمراهقين لنقص الوعي لديهم عبر عملية غسل دماغ كلي، وانتشار هذه البرامج الخطيرة يصبح سهلاً بسبب تفكك الروابط العائلية وعدم وجود رقابة على الأطفال والمراهقين.

أيها الآباء وأيتها الأمهات انتبهوا لصغاركم من مرض خطير يصاب به الأطفال اليوم أكثر من أي وقت مضى اسمه «التوحد والعزلة»، فهذا الجهاز هو أسرع الطرق إليها! لذلك اتركو أولادكم يتخالطون ويلعبون مع جيرانهم في الملعب، أو مع اصدقائهم في النادي والمدرسة بدلا من أن يكونوا بين الجدران والجهاز بأيديهم.

وأنتم أيها الأولاد والبنات كيف سمحتم لهذا الجهاز بأن يوجهكم حيث شاء! أشغلكم عن استخدام عقولكم التي وهبكم الله تعالى إياها، وتركتم التفكير بها وذهبتم للبحث عن من يُحضِّر الدروس لكم بأحدث الطرق وأسرعها، وذلك باستخدام الأجهزة الذكية دون الرجوع إلى استخدام عقولكم! وكأنما غسلت بماء بارد لا فائدة منها حتى في اختيار طعامكم الذي أصابكم بالسمنة.

وأنتم أيها الشباب ماذا فعل بكم هذا الجهاز؟ تركتم عادات آبائكم وأمهاتكم، وهي التحدث مع الجميع في البيت وفي المجالس والديوانيات، فلا مجال للانزواء والوحدة فالكل يتحدث بما عنده بحرية تامة، ولكن للأسف أشغلتنا أجهزتنا بالسهر طوال الليل، وراح كل واحد فيكم مختبئاً في غرفته يتصفح داخل جهازه عله يجد ما يسر خاطره فيه، وتركتم القرآن الكريم معلقا في زوايا بيوتكم فلا مجال لقراءته كل صباح كما هي عادات آبائكم.

أنا لا أقول ولا أحث في مقالي هذا إلى عدم استخدام الأجهزة الذكية بل على العكس من ذلك، ولكن بالمعقول لا طوال اليوم، ولا أثناء قيادتنا للسيارة، ولا عند جلوسنا مع الوالدين لكي لا نفتقد لحلاوة الحديث معهما، ولا في المجالس والديوانيات التي نستمع فيها لسوالف الآخرين، والجميع يعرف هي طفرة إلكترونية دخلت علينا من أوسع الأبواب فلا دخل لنا في صناعتها ومعرفة الأجهزة الدقيقة فيها، ولا حتى في صناعة الأغلفة الحافظة لها.

حقيقة الأمر أننا تِهنا في سحر الأجهزة الذكية وابتعدنا عن عاداتنا وتقاليدنا الإسلامية التي تعلمناها من آبائنا! ورحنا نركض وراء ما تنتجه لنا الدول الصناعية، وعقولنا أصبحت لا تفكر إلا متى تأكل، ومتى تنام، ومتى تغتاب الآخرين في المجالس والديوانيات! فإلى أين نحن ذاهبون؟.