آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

أشتاتا أشتوت «1 - 2»

محمد العلي * صحيفة اليوم

«خمس هاءات وخط فوق خط/‏ وصليب حوله أربع نقط/‏ وهميزات اذا اعددتها فهي سبع لم تجد فيها غلط/‏ ثم واو ثم هاء بعدها ثم صاد ثم ميم في الوسط..».

جاء في الامتاع والمؤانسة لأبي حيان ما يلي: «قال ابوسليمان: البلاغة ضروب: فمنها بلاغة الشعر، ومنها بلاغة الخطابة، ومنها بلاغة النثر، ومنها بلاغة العقل، ومنها بلاغة التأويل وأضاف - لا فض الله فاه، وأكرم مثواه - وأما بلاغة التأويل فهي التي تحوج، لغموضها، الى التدبر، والتصفح وهذان يفيدان من المسموع وجوها كثيرة مختلفة..».

أنت، لو انتقل اليك علم أبي سليمان هذا الذي - لا فض الله فاه وأكرم مثواه - وهبطت على ذاكرتك بلاغته الشفافة، ومهارته الهفهافة.. ثم طلبت منك تأويل ما ذكر اعلاه، من الهاءات الخمس، الى الميم التي في الوسط، هل تستطيع ذلك؟!

ستجلد الارض بقدميك اعتزازا، وتقول بملء ارادتك: نعم، اني استطيع ذلك، فأنا قد قرأت شروط ابن رشد للتأويل، وشروط ابن عربي، ومن قبلهما المعتزلة، وحتى ما كتبه نصر حامد ابوزيد.. وسوف تستنفر ذاكرتك ولكنك ستنزلق من قول الى قول، ومن دلو الى دلو.. دون ان تجد ماء.

قد يعجبك من قال: «التأويل هو الاضافة الى النص ما ينقصه، لجعله مقبولا» ولكن المشكلة ستبقى قائمة، من زاوية اخرى، فالنقص ليس نوعا واحدا، فهناك نقص في النص يخرجه من التاريخ، ونقص آخر، يخرجه من سياق اللغة المتبادلة، ونقص ثالث تجد فيه «تواطؤ الاضداد» فعلى أي جانبيك تميل؟.

إما اذا اردت الفرار من الغبار الذي تركه القدماء على معنى التأويل، الى رحاب العصر الحديث، فسوف يخرجك من صوابك، انه لا فرق بين القديم الذي قال: «انصب خيمتي على جهنم» وتلك الحديثة التي تقول: «الارض زرقاء مثل برتقالة» أو القول:

يا طالع الشجرة

جيب لي معاك بقرة

تحلب وتسقيني

بالمعلقة الصيني

ترى هذا الذي طلع الشجرة، هل رأى صديق البقرة، مغردا عليها، مثل العصافير، على الرغم من «عجليته» أم يستحق القول الملحمي: «هو الذي رأى كل شيء» مثل جلجامش، أو انه «رأى ما يريد» مثل محمود درويش؟

انا وأنت، لا يهمنا ما رأى، الذي يهمنا هو ان نردد هذا البيت الرشيق: لعلي مكي الشيخ:

«تأرجح الضوء مشغولا بضحكتنا

كالذنب يضحك منا حين يغتفر».

كاتب وأديب