آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

وقفة مع مناظرة «جدلية الدين والعلم»

أطلت علينا المناظرة المنعقدة تحت مسمى «جدلية الدين والعلم» والتي شكل طرفيها سماحة الشيخ أحمد سلمان الأحمدي والدكتور محمد حسين الهويدي - حفظهما الله - فالعنوان كان يشد المستمع إلى طبيعة النقاط التي سوف يتم عرضها وطرحها أثناء المناظرة، إذ أن لفظة «جدلية» تستبطن حالة من التنافر في إثبات شيء ونفي آخر.

ولكن كانت المفاجأة أن «العنوان لم يكن دال على المعنون» ولعلِّ أرجع ذلك إلى أسباب عدة ويمكن لنا تضمينها على النحو التالي:

• إن طبيعة النقاشات الفكرية تستلزم منهج بنيوي، إذ لا يمكن القفز على المطالب للوصول السريع إلى النتائج التي نرجو الوصل إليها ونبتغيها، وإذا لم يتم الالتزام بذلك فأن السيرورة الطبيعية للنقاش ستأخذ منحىً آخر، يكون عمدة الارتكاز فيها العاطفة المنسابة أو الآراء التي لا تكون وليدة تفحص ونظر بل أقرب ما تكون من الاستحسان.

لذلك كان سماحة الشيخ - حفظه الله - ملتفت إلى تلك النقطة بشكل تام، فأراد أن يكون نقاشهما منهجياً وتجلى ذلك من خلال طرحه السؤال على الدكتور.

ما هو المائز الذي نستطيع من خلاله إيجاد المفارقة بين العلم وما هو غير علم؟

وعلى ضوء ذلك ساق في المقام سماحته مثال من باب التقريب وهو إشكال كارل بوبر في قضية «الطب النفسي» وأنه ليس بعلم.

فلذلك إيجاد «المعيارية» التي على ضوئها يتم الاحتكام بين كومة الدعاوى، هي صمام الآمن من اللهو والعبث المعرفي والفكري والابتعاد عن جعل الشخوص وأفهامهم معياراً، والذي بدوره يخلق حالة من الاختلاف الدائم.

• فلم يجد الدكتور سبيلاً للتنصل من هذا السؤال إلاَ أن يلوذ بالتشبث بالمثال المذكور ويبدأ بإعطاء وجهة نظره إزاء قول بوبر، بأن هل الطب النفسي علماً أم لا، وكان الأجدى أن يوجد المائز الذي يعتبر «كلياً» يُرجْع إليهِ، وأن يغض النظر عما هو «جزئي» وتم ذكره في مقام التقريب فقط!!!

• ضعف المعرفة الفلسفية لدى الدكتور الهويدي، فإن العلم التجريبي الذي من شأنه وتخصصه، غير كفيل بإيجاد التقسيمات الثلاثة وتفسيرها «الوهم - الواقع - الحقيقة» التي ساقها في المقام واعتبرها مقدمة للوصول إلى المائز «البرهان»

ولا نعلم من أين جاء بقول أن «الواقع» هو حصرًا لحالة الأشياء المادية ولا يشمل الأفكار المثالية وأنه يتعلق بوجود الشيء ومادته!! وعلى ضوء ذلك نسأل الدكتور، هل يمكن أن نعتبر أن مجموعة الأفكار التي تؤمن بها وتلتزمها لا واقع لها؟ لأننا لم نقف على مادتها؟؟

ومما يزيد المستمع استغراباً جعل المائز مفهوماً «هُلامياً» فلم نتعرف على حقيقة البرهان الذي ينبغي تحققه!!

علماً أن البرهان هو من خصائص العلوم العقلية التجريدية فمورد الاتيان والزج به في دائرة التمييز بين العلم الزائف والعلم الحقيقي يعد خلل في المنهج.

وإذا ما قيل من قبل الدكتور أن المعني بالبرهان كلفظة تم الاصطلاح عليها وقالها من باب التسامح، نقول أن الأكدمة «الأكاديمي» تفرض عليك حالة من الدقة فلماذا لم يتم الالتزام بهذا، وذلك لا يصح صدوره من دكتور مثله!!!

• كثرة الاستشهاد بالآيات القرآنية وسوق الروايات التي طالما تكررت من قبل الدكتور، فما وجه الحاجة إليها في مقام الإجابة على دور ووظائف العلوم التجريبية؟ فكان من باب الأولى أن يتم الاستشهاد من داخل العلوم التجريبية!!

ومن هنا نتلمس بوضوح ضياع البوصلة والخارطة العامة لدى الدكتور في عملية النقاش والتي في تصوري القاصر جاءت نتيجة غياب المنهجية.