آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

ألمُ الدراهم

تظاهر لِصٌّ بالصَمَمِ عند سوآلِ القاضي إياه عن سرقته. أمر القاضي بأن يأتي أحدهم بدرهم دون أن يراه السارق. أخذ القاضي يسأل السارقََ والسارق يصر أنه لا يسمع. حينها أشار القاضي لحاملِ الدرهم أن يرميه على الأرضِ خلف السارق. ارتطم الدرهمُ بالأرضِ وأصدر رنيناً سَخِرَ من صمم السارق وجعله يدير وجهه نحو مصدر الصوت فانكشفت حيلته.

بين البشرِ والدرهم رابطةٌ وعلاقةٌ لا تخلو من فائدة.  يشتري البشرُ ويبيعون بالدرهم وبه ينعمون ولكن تلك العلاقة تصبح مثل الضوءِ الذي يستحيل ناراً عندما يشتري الدرهمُ البشرَ ويبيعهم. من يقرأ ما تكتب الليالي من سيرِ الناسِ يرى أن ليس فقط السلع تباع ولكن الناس يباعون ويشترون. كل إنسانٍ له قيمة في السوق ومن لا يطربهُ صوتُ نوعٍ من الدراهم يطربهُ صوتُ دراهم من نوعٍ آخر وإن لاهذا ولاذاك فشيءٌ منصرفٌ إلى القوة والمالِ والتراب.

يتفاوض اللاعبونَ والممثلونَ في العلن ولديهم وسيطٌ يجلب لهم السعرَ الأعلى عندما ينتقلونَ من ملعبٍ لآخر ومِن منتحٍ لآخر وغيرهم يتفاوضُ في خفايا الحياة عبر الشعرِ والقلمِ والموقف وربما حَمْلُ السلاح حينما تفوق حلاوةُ الدراهم مرارةَ الجراح. يقف المرءُ أمام المرآةِ ويقول كم أساوي في سوق العمل وكم أساوي في سوق البشر وإذا أراد البيع فهناك من يشتري.

كما تختلف أسعارُ السلعِ تختلف أسعارُ البشر وبقدر ما يزيد من منفعةٍ أو يخفف من مضرة وما يحمل من علاماتٍ وأوسمةٍ فارقة في سلم الرقي يزداد ما يساوي الإنسان من الدراهم. للسوق عتبةٌ لا يجتازها البائعُ أول مرةٍ ويَجْفُلُ مثل الحصان الذي يعبر النهر للوهلةِ الأولى. ترتعد فرائصه ويلقي فارسهُ وبعد أن يعرف أن الماء ليس إلا ماء يركض فيه ولو كان فيه تماسيح! تمر الأيامُ ويصبح الدرهم أكثر لمعاناً وأجمل والرنةُ أعذب ويخفتُ صوتُ احتجاجِ العقلِ والضمير.

كانت نخاسة البشر تبيع وتشتري الجسدَ وتُبقى الروحَ والعقلَ حراً في القفص. صار الجسدُ أقَلَّ سلعةٍ تُشترى وبقي العقل والضمير في النخاسة. من أصابه الصَمَمُ ولا يسمع رنين الدراهم  صار سلعةً نادرة تكاد لا توجد، يتزاحم عليها المشترون وحتى هؤلاء يسقط منهم عند نقطةِ الانقلاب في منحنى العرضِ والطلبِ الكثير.

نحتاج أن نشربَ من نهرِ الدراهمِ والشهوات ما تبتلينا الحاجةُ وما تسمح لنا نقطةُ ارتكازِ ضمائرنا دون أن نعبر نهر الانسانية  حيث يلمع لونُ الذهبِ في الضفة الاخرى. تحترق كُلُّ جسور العودة وتماسيحُ النهر لا تعطي الضميرَ فرصةَ سباحة النهر من حيث أتى. يستتر الضميرُ تحت الماءِ ويموت وحين يموتُ الضمير كُلُّ شيءٍ مباح...

مستشار أعلى هندسة بترول