آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 9:08 م

ستذهب إلى النار

منال بوخمسين *

ذات يوم تلقيت اتصالاً من إحدى الامهات، كانت مصدومة من أمر ما حصل لإبنها ذو الخمس سنوات.. كنت أصغي إليها بانتباه.

قالت الأم: منذ أسبوع وصغيري يظهر خوفه من الموت، ويقول أنه لايريد أن يموت، ولا يريد أن أموت أنا ووالده، ويكرر هذا الكلام طوال اليوم، ويتسائل كيف نموت؟!

ودخل في حالة من الخوف والهلع وصعوبة في النوم. وفي أحد الأيام ونحن على مائدة الطعام أخذ ابني برتقاله، يريد تقشيرها ولم يستطع.

فقال هذي البرتقاله يجب أن تحرق بالنار.

استغربت وانزعجت من كلامه فخاطبته ابني حبيبي أنا أساعدك في تقشير البرتقالة لابأس، قال: لا البرتقالة شريرة يجب نحرقها بالنار لأنها لا تتقشر بسهولة هي لم تسمع الكلام.

تكرر الموقف والكلام ذاته لكنه معي هذه المرة حين لم أنفّذ طلبه، قال: سأحرقك بالنار لأنك لا تسمعين كلامي، أجبته بهدوء: لكن نحن لا نعاقب بالنار، ثم سألته ماذا تعرف عن النار يا صغيري؟

فأجاب: هو يحرقنا بالنار..

من يحرقك بالنار؟

أجاب: النبي، والله هو يحرقنا بالنار... بعد ما نموت نذهب إلى النار، إذا نسوي أي شي غلط نروح النار، إذا لم نسمع الكلام نذهب إلى النار.

كنت أستمع له وأنا في حالة ذهول من هذه الفكره التي ترسخت في عقله، لأني لا أتذكر أنني استخدمت مثل هذ الأسلوب او هذه العبارات معه بل على العكس، كنت ازرع حب الله فيقلبه، وأذكره بأن الله هو الغفور الرحيم الكريم، وأن الله يريد لنا الخير وينعم علينا النعم ونشكره ونذهب إلى الجنة.

بعد التحري اكتشفت انه خلال رحلة قامت بها روضته لاحدى المؤسسات الدينية قام أحدهم بزرع هذه الفكرة في عقله، ظناً منه بأن هذا الأسلوب الأنسب لإبعاد الأطفال عن الخطأ وتعديل سلوكهم وتنشئة جيل صالح..

«اذا سويت شيء خطأ تروح النار»

لنتوقف لحظات ونسأل أنفسنا

من منا يستخدم أسلوب التخويف والترويع هذا؟ ماذا يترك هذا الأسلوب في نفسيته؟ ماهو الخوف والرعب الذي يشعر به ويلاحقه إلى الكبر..

وبالتالي هل نحن زرعنا الحب أم الكره في نفسيته؟

ماالدين إلا الحب فلماذا نربي بالقسوة والعنف..

أعبد الله حباً لأنه أهلا للعبادة، هذه علاقة الحب مع الله التي غرسها فينا حبيب القلوب محمد ﷺ

جميعنا نحتاج أن نخطئ لنتعلم لنكتشف لنتطور، فكيف بالأطفال!

عندما يحاول ابنك المشي ويسقط اكثر من مره هل ستقول له خطأ أم العكس؟ بالتأكيد ستشجعه.. ستكون سعيد جداً بإنجازه..

نحن الكبار نخطىء فلايوجد أحد منّا ملائكي.. فالغاية التعلم من المحاولة والخطأ.

إذاً كيف نوجّه السلوك الغير جيد عند الطفل؟

خير قدوه لنا نبينا الكريم محمد ﷺ موقفه مع الغلام عندما كان يأكل بشكل عشوائي في كل أنحاء الصحن

ماذا قال له وهو خير معلم... ياغلام سم الله وكل بيمنك وكل ممايليك..

هل عاتب الغلام؟ هل قال له لاتأكل بيدك اليسرى؟ او ماهذا السلوك السيء الخاطىء.. بل عالج سلوكه مباشره.

بأن أعطاه الرساله واضحة وقابله للتطبيق بسهوله والسر هنا الأسلوب الهادىء الحنون، والمناداة فيها شد انتباه بلطف ومشاعر جميله.

إذاً منهج خير الرسل في التربية ”في السبع الأولى اتركه سبعا ولاعبه سبعا“

حياة الطفل في السبع السنوات الأولى كلها لعب دون قيود وعقاب... ولايحق لنا أن نمنعه ونصدر تقييمات خاطئة بما تهواه أنفسنا، ونعامل الطفل وكأنه آله والمطلوب منه أن يطبق فقط أوامرنا...

وقد يتسائل البعض اذاً على ماذا أمنع طفلي؟

والجواب هو كل سلوك يعرض نفسه أو الآخرين للخطر، ومايتعارض مع الأخلاق والدين والقانون...

نحن نسعى أن نربي ونعلّم لانعاقب ونعقّد ونُرعب.. ورسالة إلى كل مربي ومعلّم وكل موجّه للطفل لنغرس بالحب.

ازرع الحب في قلب ابنك يكن إنسانا عظيماً.

أخصائية اجتماعية