آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

رمضانيات ”4“

محمد أحمد التاروتي *

يشكل شهر رمضان مصدر إشعاع، للكثير من الممارسات اليومية، اذ تختلف طريقة استقبال المرء لبعض السلوكيات الخاطئة، حيث يحرص على ضبط الاعصاب كثيرا، خصوصا وان الصيام لا يقتصر على الامتناع عن الاكل والشرب، بل يتجاوز ذلك لصيام الجوارح، ”كم من صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش“، وبالتالي فان المسلم يحاول الدخول في شهر الصيام، بتفكير مغاير تماما عن بقية الشهور، من اجل التزود بالكثير من الدروس، التي يحدثها الشهر الفضيل في الكثير، من الاخلاقيات البشرية.

اعادة ترتيب السلوك الاخلاقي، فرصة سانحة خلال الشهر الفضيل، خصوصا وان المرء يكون في عبادة دائمة طيلة ساعات النهار، مما يفرض التحرك وفق إطار اخلاقي، قادر على تقويم بعض السلوكيات غير المستقيمة، ”أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة“، بمعنى اخر، فان اشعاعات الصيام قادرة على احداث اثر واضح، على الممارسات الحياتية، بحيث تتجاوز المحيط الاجتماعي الضيق، لتشمل الفضاء الواسع، مما يساعد على خلق قدوة، تحظى باهتمام كبير من لدن الاخر.

تقويم الاخلاق، يبدأ من الرغبة في التخلي، عن بعض الاخلاقيات السيئة، حيث تشكل الارادة الخطوة الاولى باتجاه، وضع خارطة طريق قادرة، على الوصول الى الضفة الاخرى، خصوصا وان التعرف على بعض السلوكيات الخاطئة ليس صعبا في الغالب، فالمرء بامكانه تشخيص الامور بدقة، مما يمهد الطريق لوضع برنامج اخلاقي، متكامل لإعادة الصياغة الداخلية في البداية، لاسيما وان إصلاح النفس خطوة اساسية، لترجمة السلوكيات الخارجية، فالبناء الداخلي يساعد على امتصاص الصدمات الخارجية، بمعنى اخر، فان السيطرة على ردود الأفعال تجاه تجاوزات الاخرين، تمنح المرء القدرة على التأثير على الاخلاق، وبالتالي فان إشاعة السلوكيات الاخلاقية يولد حالة من السلام الاجتماعي، وتقليل من الصراعات والنزاعات، الناجمة عن انتشار الاخلاق السيئة، والتي تترجم على شكل سرقة، او اختلاس او قتل، او غيرها، من الممارسات الاخلاقية الخاطئة.

شهر الصيام بمثابة البحر الذي يحفل بالكثير من الكنوز المعنوية، فالمسلم يغترف منه بقدر القابلية، والقدرة على استيعاب المعاني الحقيقية، فهناك من يخرج بفوائد كبيرة منذ الْيَوْمَ الاول، وهناك من يخسر الاستفادة من الشهر الفضيل، بينما يحرص البعض على الاستفادة من ايام الصيام، بما يساعده على تقويم الاخلاق، ”شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان“، وبالتالي فان الشهر الكريم الذي حظي بنزول القرآن، قادر على احداث تغييرات كبرى لدى المسلم، فالعملية تتجاوز مغزى الامتناع عن الاكل والشرب، لساعات طويلة من النهار، وإنما تكمن في المعاني الروحية التي تترجم، على شكل خلق كيان اجتماعي، قادر على توفير الظروف لإشاعة القيم الفاضلة، بهدف تأسيس تجمعات متماسكة، ومتحابة بعيدة عن الغدر والانتقام، ومحاولة الانقضاض على الاخر، للاستيلاء على مقدراته المادية، " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "

كاتب صحفي