آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

بدون جيب

يَحكى المثلُ الذي يقول ”الكفنُ ليس له جيوب“ حقيقةَ أنَّ من يموت لا يأخذ من ماله شيئاً. إن شاءَ أهله أن يعطوه وإن شاءوا حرموه. تسحرنا الارقامُ نحن البشر فلا يعود همنا سوى أن نجمعَ المال والثروة. أموالٌ نصوم عنها حتى لا نصاب بالتخمة ونمشي عنها حتى لا تضعف قوانا. الرسائلُ التي يبعثها الدينارُ والنقوشُ التي عليهِ تعربدُ أمامنا وتُسكرنَا فلا نرى سواها. نصومُ ويكفينا الطعامُ القليل ثم ننام على أسرتنا في مساحةِ مترٍ عرضاً ومترانِ طولاً.

يدق لحنُ الجنائزِ الحزين ويحتاج المالُ إلى جيوبٍ نحملها فيه وليس في الكفنِ جيوب! ولا يدعنا الأحياء أن نأخذ المالَ منهم ولكن ربما خُطنا جيوباً لا يراها الأحياء ولا يستطيعون نهبها. يشتري المالُ بعضَ الخطايا ويجلبُ بعضَ المراتب بعد الموت لا يراها الأحياء وكلما صرفنا من المالِ ملأنا جيوبَ الكفن. عندما نغلق جفوننا آخر مرةٍ نقطب جبيننا ونقول لماذا تركناها؟ أعيدونا نأتي بها. يأتينا الجوابُ أُغْلِقَ البابُ، جلبتم ما جلبتم وتركتمْ ما تركتمْ.

برهانُ الحياة ينص على أنه لا يحتاج انتقالنا من حياةٍ إلى أخرى مالاً. جئنا إلى الدنيا من عالمٍ مجهولٍ دون مالٍ ونذهب إلى آخر دونه. في منحنى ”المال والحياة“ نقطةُ الحاجة إلى المال دونها نسقط في وادي العوز والذل وبعدها تأتي النقطةُ التي يكون عندها المالُ والأرقام مصدر بهجتنا وشهوتنا. ينقلب المالُ إلى هم عند نقطةٍ ما ويقول صاحبه أخافُ أن أغفو، اخاف ان انام، إن زارني في الفجرِ زائرٌ وقال دعِ المالَ وتَعَالَ ماذا يكون؟

عرفت الشرائعُ السماويةُ معنى المال وفاضت بالوصايا أَلاَّ يُحرمَ منه أحدٌ، ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ? وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ“. قالت للأغنياءِ خذوا لكم منه مادون الهم وتوجعوا لمن سقط في وادي العوزِ وارفعوه. شاركوه في ثمارِ حقولكمْ وما جنته أيديكم تسعد به أرواحكم. سكت الكثيرُ عن الجواب ولم يشعروا بوخز الضمير واستسلموا لمتلازمة حب المالِ والثراء.

المالُ والقمرُ متشابهان في دورة النقص والكمال وفي نورهم اللاذاتي. يولدُ القمرُ صغيراً يكبر ويعود صغيراً وهكذا المال، لا يكتمل لأحدٍ إلا ويختفي ولا يصفو لأحدٍ إلا كدُر  وكلاهما لا يضفي على النفسِ والروح إلا ما صنعته لنفسها من رداء الكمال أو النقص.

المال في هذه الأيام مثل أسرابِ العصافير. تطير من حولنا ونحسبها سهلةَ المنال والصيد ولكن ما إن نختبئَ لها تستهزئ بنا وتطير. طوبى لمن نال منه ما يكفيه دون أن يستغويهْ.

مستشار أعلى هندسة بترول