آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

رمضانيات ”9“

محمد أحمد التاروتي *

التعاطي مع الوقت يحدد المستقبل، في الكثير من الاحيان، فالمرء الجاد والحريص على استغلال الزمن، يختلف تماما عن المستهتر، وغير المبالي لدوران عقارب الساعة، فالأول يولي أهمية للعمر ويحرص على الاستغلال الأمثل، عبر وضع البرامج الهادفة، على الصعيد الشخصي او الاجتماعي، واحيانا على صعيد البشرية بشكل عام، بينما الثاني لا يجد في العمر سوى تعاقب الليل مع النهار، دون القدرة على توظيف الزمن، في احداث تغييرات جوهرية، الامر الذي يفسر الاختلاف في الاحترام الاجتماعي للبعض، وعدم الالتفات للبعض الاخر.

احترام الانسان لذاته، ومحاولة استغلال القدرات الذاتية، تدفع لانتهاج طريقة مثالية، في التعاطي مع الزمن، ”ذهاب الفرصة غصة“، فالمرء بما يمتلك من قدرة على تمييز الصالح من الطالح، فانه يتحرك باتجاه تعبيد الطريق امام الاعمال الصالحة، سواء لأغراض شخصية، والعمل تشكيل الذات بما يحقق المستقبل المشرق، او العمل على كسب الاحترام في المجتمع، خصوصا وان الشخصيات المميزة تحظى بالاهتمام، بخلاف الشخصيات الهامشية، التي تكون عالة على المجتمع، وتعرقل عملية التقدم، والنهوض العلمي.

النظرة للزمن مرتبطة احيانا بالسلوك الاجتماعي، وسيطرة الثقافة المسؤولة، فالمجتمعات التي ”تقدس“ الوقت، تعمل على تكريس الاستغلال الأمثل، بما يعود عليها بالفائدة، الامر الذي يتمثل في انتشار ثقافة احترام الوقت، والدقة في انجاز الاعمال في المواعيد المحدد، بينما المجتمعات المتخلفة تكرس مبدأ اضاعة الوقت، وعدم الجدية في انهاء الاعمال وفقا للجدول الزمني، ”اذا حدث كذب واذا وعد اخلف“، بمعنى اخر، فان المجتمع يلعب دورا محوريا، في طريقة التعاطي مع الوقت، فاذا كانت الثقافة السائدة تحث على بذل المزيد من الجهد، لتحقيق الانجازات على الصعيد العلمي، فان الفرد يحاول التحرك باتجاه الإبداع، والعمل على استغلال الفسحة الزمنية، لخدمة المجتمع، واحيانا تقديم خدمات جليلة للبشرية.

لا يتصور تحقيق ابتكارات، وإنجازات علمية، مع سيطرة ثقافة الاستهتار، وانعدام روح المسؤولية، والمبادرة على الصعيد الفردي، فأحيانا يكون الاحساس الفردي محركا قويا، باتجاه قلب الواقع البائس، ووضع الخطوات الاولى نحو النهوض الشامل، لاسيما وان الشعور بضرورة الدخول في نادي الانجازات العلمية يكون دافعا حقيقيا لبذل المزيد من الجهد، ومحاولة قراءة تجارب الامم الاخرى، بغرض الاستفادة من الدروس الناجحة، وتفادي الإخفاقات، بمعنى اخر، فان عملية النهوض الاجتماعي مرتبطة، بوجود إرادة صادقة، ورغبة جامحة، من خلال التعرف على أسباب النهوض، ووضع الدراسات اللازمة، للانطلاق الصحيح نحو الارتقاء، وعدم الاستسلام للاحباطات، وانتهاج المنهج الإيجابي، والتركيز على الهدف عبر الاستغلال الأمثل لعامل الوقت.

شهر رمضان يمثل فرصة مناسبة، للتعاطي مع الوقت بشكل مناسب، فالصائم يمتلك الوقت الكافي للاستفادة من ساعات الصيام، مما يحدث تحولا جذريا في طريقة التفكير مع الزمن، بمعنى اخر، فان الصوم بمثابة محطة قادرة، على اعادة ترتيب المنهج الذاتي، باتجاه الرؤية الأكثر عمقا، مما ينعكس على صياغة جديدة، تظهر على شكل ممارسات، مغايرة للفترة السابقة، الامر الذي يسهم في ولادة جديدة، معاكسة للسيرة السالفة، في التعامل مع مختلف التحولات الاجتماعية، بحيث يؤسس لمرحلة اكثر قدرة، على نشر الثقافة الايجابية.

كاتب صحفي