آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

رمضانيات ”25“

محمد أحمد التاروتي *

”النصيحة بجمل“ هذا المثل العربي يختزل عصارة تجارب كثيرة، ويعكس أهمية النصيحة في تصحيح المسار، وانتشال الأقدام من السقوط في الهاوية، خصوصا وان التجارب الحياتية تعطي المرء القدرة، على تقديم النصيحة المناسبة، ”اللي اكبر منك بيوم اكبر منك بسنة“، فالحياة مدرسة لإعطاء الدروس في كيفية التعاطي مع الناس، وكذلك استخدام الطريقة المناسبة لحلحلة المشاكل على اختلافها.

حاجة الانسان الدائمة للمعرفة، وقصوره على الإحاطة بجميع القضايا، تشكل احد الأسباب وراءالاستعانة لذوي الحكمة، والخبرة في الاختيار الطريقة المناسبة، في معالجة المشاكل الحياتية، فالمرء مهما بلغت مكانته الاجتماعية، والنبوغ العلمي، فانه يبقى بحاجة دائم للاستشارة، والنصيحة من ذوي الاختصاص، واصحاب الشأن، ”اهل مكة ادرى بشعابها“، وبالتالي فان محاولة الاستفراد، وعدم الاستمتاع للنصيحة، يخلق بعض المشاكل، ويسهم في تفاقم بعض القضايا، جراء استخدام الطريقة الخاطئة، وعدم اتيان البيوت من ابوابها.

الاختيار الصائب لذوي الاختصاص، والحرص على الاستعانة بالكفاءات البارزة، تشكل الخطوة الاساسية في طريقة التعاطي السليم، مع القضايا الجوهرية، سواءعلى الصعيد الفردي او الاجتماعي، ”الحكمة ضالة المؤمن اخذها أنى وجدها“، ”صديقي من اهدى الي عيوبي“، وبالتالي فان البحث عن الحلول، يتطلب إيجاد العناصر القادرة، على التشخيص الدقيق، ”حقّ المستنصح أن تؤدّي إليه النصيحة“، فالخطأ في التشخيص يقود الى نتائج كارثية، يصعب تصحيحها في بعض الاحيان.

النصيحة ليست حلوة المذاق على الدوام، فهناك نصائح شديدة المرارة، بيد انها بمثابة ”اخر الدواء الكي“، ”وحقّ الناصح أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك“، وبالتالي فان تفصيل النصائح وفقا للرغبات، غير ممكن على الاطلاق، فالعملية مرهونة بالظروف، والتطورات الاجتماعية، وتضارب المصالح، مما يفرض تقديم التنازلات، وعدم التعامل بطريقة المنتصر على الدوام، لاسيما وان إنقاذ المركب من الغرق يستدعي التعاون المشترك، وعدم ادارة الظهر للاخر، نظرا لوجود مشتركات، وتشابك مصالح، مما يتطلب الأخذ بالنصيحة المرة، ومحاولة التأقلم مع الواقع الجديد، بما يعود على الجميع بالفائدة، والتخلي عن سياسة الاستفراد، والاستحواذ على الكعكة.

اللجوء الى اصحاب الرأي، للاستفادة من الخبرات الحياتية، لا يعني إغلاق العقل، وعدم تقليب الامور من جميع الجوانب، ”إسمعوا النصيحة ممّن أهداها إليكم، واعقلوها على أنفسكم“، فالنصيحة بقدر ما تكون مهمة في فتح الأبواب المغلقة، ولكنها لا تمثل في الوقت نفسه جميع الحلول، او العصا السحرية، خصوصا وان اختلاف الاّراء يسهم في تشكيل رؤية قادرة، على اتخاذ القرار المناسب، وبالتالي فان الاكتفاء بنصيحة واحدة، وعدم الاستفادة من النصائح معضلة، فالحكمة تقتضي محاولة استقصاء جميع الاراء، للتوصل الى الرأي السديد، بمعنى اخر، فان العقل يكتمل مع الاستعانة بعقول الاخرين، ”العاقل من جمع عقول الناس الى عقله“، مما يتطلب انتهاج جميع الوسائل المشروعة، للحصول على النصيحة القادرة على انارة الدرب، وازالة الستار عن المشكلة بشكل جلي.

كاتب صحفي