آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

رمضانيات ”29“

محمد أحمد التاروتي *

جردة حساب سريعة ودقيقة، مع إسدال الستار، على شهر الرحمة والغفران، من اجل الوقوف على الأثر الإيجابي، الذي تركه شهر رمضان، على مجمل السلوكيات، والزخم الروحاني، الذي اكتسبه في ايام الصيام، ”فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ“، خصوصا وان رحمة الله الواسعة خلال شهر رمضان واسعة، وتشمل كل من يتقرب للخالق بقلب صادق، ”أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الأَيَّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ. هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللهِ“.

التحدي الكبير الذي يواجه الانسان، مع انقضاء شهر رمضان الكريم، يتمثل في القدرة على الاحتفاظ بالمخزون الروحاني، الذي اكتسبه طيلة شهر رمضان، نظرا لتوافر جميع العوامل المساعدة، على زيادة الجرعة الروحانية، ”أَبْوَابَ الْجِنَانِ فِي هَذَا الشَّهْرِ مُفَتَّحَةٌ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لا يُغَلِّقَهَا عَنْكُمْ، وَأَبْوَابَ النِّيرَانِ مُغَلَّقَةٌ“، فالأجواء العامة تدفع باتجاه التقرب الى الله، والابتعاد عن النوازع الشيطانية، جراء إغلاق جميع المنافذ للأعمال السيئة، ”الشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ“، بمعنى اخر، فان العمل على الاستفادة من اشعاعات شهر رمضان المبارك، يعتبر البرنامج الأول لتغيير المنهج الحياتي، وتهذيب السلوك الاخلاقي.

التعرف على المزايا الايجابية المكتسبة، خلال شهر رمضان المبارك، بمثابة الخطوة الاولى لرسم معالم الطريق، في المرحلة القادمة، فالعمل على بصيرة ورؤية واضحة، يسهم في مواجهة مصاعب جادة الحياة، خصوصا وان الهدف المنشود، يساعد على توفير الأدوات المطلوبة، للتعامل مع المفاجآت القادمة، وبالتالي فان عملية الاحتفاظ بالسلوكيات العديدة، خلال شهر الصيام، بحاجة الى مكاشفة مع الذات بالدرجة الاولى، ”ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم: فإن عمل حسناً استزاد الله منها، وإن عمل سيئاً استغفر الله وتاب منها“.

إرادة التغيير الصادقة، والحرص على استبدال السلوكيات الخاطئة، والعمل الجاد على التمسك بالصفات الحسنة، وصفة ناجعة للخروج بغنيمة لا تقدر بثمن، فالمرء يمتلك القدرة على تغيير طريقة الحياة، بمعنى اخر، فان الانسان الذي يفرط في المكتسبات المادية والمعنوية، لا يجد الاحترام من الاخرين، نظرا لعدم امتلاك الصفات القادرة، على فرض احترامه على الاخرين، وبالتالي فان التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، قبل ترجمته على الواقع الخارجي، فالسلوكيات انعكاس لمجموعة القيم التي يحملها المرء، نتيجة الموروث الثقافي المرتبط بالمعتقدات الدينية، التي تحرك جميع السلوكيات تجاه الاخرين، لذا فان المرء الذي يعجز عن اكتساب احترام الاخرين، جراء السلوكيات غير السوية، يوصف بالعجز في اكتساب الناس، مما يحول دون امتلاك النفوذ الاجتماعي، ”أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم“.

شهر رمضان محطة روحية، لتهذيب السلوك الفردي والاجتماعي، في الوقت نفسه، نظرا لاختلاف النظرة الدينية للشهر الفضيل، فالصوم قادر على انتشال النفس الامارة بالسوء، للارتقاء في سماء الفضيلة والسمو، الامر الذي يمهد الطريق لأحداث تغييرات جوهرية، في العلاقات الاجتماعية، فضلا عن الارتباط بالخالق، وبالتالي، فان محاولة التفريط في مكتسبات الشهر الفضيل، خسارة كبرى يصعب تعويضها، مما يستدعي وضع هذه التحديات في الحسبان، مع العودة مجددا للصراع الدائم، بين النفس الامارة بالسوء والنفس اللوامة.

كاتب صحفي