آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:39 م

معركة تحكمها سيقان اللاعبين

أثير السادة *

لا يمكن لمتابع كرة القدم أن ينظر لما يجري داخل المستطيل الأخضر إلا بوصفه حربا، فيها من ألوان الكر والفر، والهجوم والدفاع، والحيلة والخداع، وكل ما يعرفه الناس من الاقتتال والتنازع والتجابه، لذلك تنطوي اللعبة على لحظات من الخشونة، ولحظات من الهروب عن أسئلتنا الأخلاقية المعتادة، الأمر الذي يجعل من أي التفاتة أخلاقية بسيطة أشبه شيء بالاستثناء الذي يذكرنا بما يتوارى لحظة انطلاقة الصافرة.

هي معركة مؤقتة بحدود الوقت الذي تقرره اللعبة، معركة على امتلاك الكرة، وعلى صناعة الفوز، معركة تحكمها سيقان اللاعبين وهم يشقون الطريق إلى أهدافهم، ويقطعون الإمداد عن أعدائهم الافتراضيين، وخلف اللاعبين أصوات لا تهدأ ولا تتوقف وهي تحاول تقويض كل لحظة تركيز عند الفريق الخصم، وشحذ الهمة عند فريقها في أناشيد كأنها تعاويذ مشحونة بوعود الانتصار.

هذا ما يفسر الاحتفاء الدائم بأي خروج عن نص الحرب باتجاه نص السلام في مباريات الكرة، ينهال علينا المذيع بأنواع القريض حين يرمي اللاعبون الكرة خارجا لأجل لاعب مصاب، وحين يرجع الفريق الآخر الكرة لاحقا كرد للجميل، وحين يصافح لاعب لاعباً بعد عرقلته والإساءة إليه، وحين يطيب آخر خاطر لاعب من الفريق الآخر في ساعة الهزيمة، وسواها من اللحظات القليلة التي ينتشي بها المتابعون واللاعبون فرحا قبل أن يستعيدوا ذاكرة الحرب مجددا ويتأهبوا للهجوم والدفاع.

في ليلة البارحة، حضرت هذه المشاعر التي وجدت في معاونة البرتغالي رونالدو للاعب اللأرغواني كفاني للخروج من الملعب في لحظة الإصابة درسا أخلاقيا ليس للنسيان، حيث أنساهم رونالدو كما يصفون كل الانفعالات الحادة داخل المبارة وأحيا في دواخلهم سمو الأخلاق ورفعتها، غير أن هذه اللقطة التي شاهدها الملايين ستسافر بجناحين من تناقض في سماء التأويل، تهرب من تفسير إلى تفسير وهي ترفع وتخفض في ساحة الخصومات، فرونالدو الذي بحسب المدافعين قد تواضع وجعل اللاعب المصاب يتكئ على كتفه ليخرج بسلام إلى خارج الملعب، لا يعدو أن يكون في نظر المهاجمين سوى مراوغ أراد إخراج اللاعب بسرعة كي لا يضيع المزيد من وقت المباراة التي كانت قد شارفت على الانتهاء.

على حافة الصورة تزحلقت الكثير من التعليقات في فضاءات التواصل، وأوراق الصحف، ما بين باحث عن معنى أخلاقي يرفع من قيمة الرياضة، وبين باحث عن تحليل قريب للغة الحرب وتكنيكات المحاربين الذين لا يذخرون أي وسيلة لبلوغ أهدافهم، ومثلهم ثالث يذهب بعيدا في تدارك المنسي من البعد النفعي لهذه اللحظات والتي ستجعل من رونالدو مجرد باحث عن شهرة أخرى عبر لقطة تهبه النصر حتى في ساعة الخسارة.

هذه اللحظة الأجمل في كـأس العالم بحسب صحيفة يورو سبورت ستترنح بين من يغطيها بغطاء الأخلاق ومن يجردها، بين من يجعل منها سلوكا للحفاظ على سلامة اللاعب المصاب بدليل التأني في المشي والانحناء الحاني بين الأكتاف، وبين من يجعلها فعلا للحفاظ على الوقت بدليل إرساله إلى المنطقة القريبة بالقرب من الشباك، غير أن المحصلة هي أن الصورة فرارة، لا تستقر على حال، ولا تركن إلى تفسير، وأنها كالملعب ساحة لتنازع مختلف التآويل، وأن الصور الأخلاقية لرياضة كرة القدم لا تكفي لنسيان عنوان الحرب التي هي عليه.