آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 4:10 م

التاريخ.. الكذبة

محمد أحمد التاروتي *

يشكك الكثير في الحوادث التاريخية، ومدى دقة، وموثوقية نقل الأحداث، بحيادية من قبل المؤرخين، خصوصا وان السياسة تلعب دورا في تدوين بعض التفاصيل، وتجاهل بعض الأحداث المفصلية، سواء من باب الخشية من السلطة الحاكمة، او نتيجة الكراهية، والحقد على بعض الشخصيات الصانعة، لتلك الحوادث التاريخية، الامر الذي يفسر اختلاف السرد التاريخي، لدى بعض المؤرخين، وكذلك الاختلاف في طريقة النقل الحيادي، مما يجعل الباحث في حيرة في الوثوق في عملية التدوين.

تفصيل الأحداث وفقا لأهواء السلطة الحاكمة، حرم البشرية من الحصول على الحدث دون زيادة او نقصان، فالمؤرخ يكتب الحقب التاريخية، وعيونه شاخصة في ردة فعل السلطة الحاكمة، مما يدفعه لتحريف او عدم النقل الدقيق للأحداث التاريخية، تفاديا لسيف الحاكم الذي لا يرحم، واحيانا طعما في عطايا السلطة، لاسيما وان تفصيل التاريخ على مقاس الحاكم يقرب المؤرخ، ويرفع من مكانته لدى السلطة السياسية، وبالتالي فان الحيادية التامة تبقى عملية صعبة للغاية، لدى مؤرخي السير التاريخية.

اختلاق الاحداث، او التلاعب في ابطالها، تمثل نقطة سوداء في صفحات الكثير من الحوادث التاريخية، حيث تتحول بعض الشخصيات المجهولة، الى اعلام وابطال، فيما تختفي الشخصيات التي قدمت نفسها رخيصة في صناعة المجد لأممها، اذ تحاول السلطة الحاكمة صناعة الأبطال، وتحقيق الانتصارات التي تمجد تاريخها، لممارسة الخداع على الاجيال القادمة، وبالتالي فان التسليم بالوقائع التاريخية دون التمحيص، في بعض التفاصيل الدقيقة المتناثرة، في بعض بُطُون الكتب، يسهم في استمرار تزييف التاريخ، وتمرير شخصيات فاقدة للمؤهلات القيادية، من خلال نسخ بطولات خرافية بواسطة اقلام بعض المؤرخين.

التوقف مليا امام الكثير من الاحداث التاريخية، ومحاولة ربط الوقائع الصغيرة، المذكورة في بعض الكتب، تكشف ضخامة التلاعب، والتزييف في الاحداث التاريخية، لاسيما وان المؤرخين يختلفون في طريقة تناول الاحداث، مما يساعد على الحصول على معلومات هامة، للتعرف على بعض الحقائق المدفونة، بمعنى اخر، فان مبدأ التشكيك في الكثير من الأحداث التاريخ، يقود لكشف العديد من الامور الخافية، او التي حاول بعض كتاب السير، تجاهلها لغايات متعددة، بعضها لاغراض شخصية، او البعض الاخر رضوخا لضغوطها خارجية.

عملية النقل غير الدقيقة للكثير من الأحداث التاريخية، ساهمت في تشوية العديد من الوقائع، خصوصا وان طريقة النسخ في القرون الماضية، تستنزف الكثير من الوقت، مما يسهم في ضياع بعض الكتب، نتيجة العوامل الطبيعية، فضلا عن الحروب الطاحنة، التي شهدتها الكثير تلك الحقب الزمنية، الامر الذي يفرض اعادة كتابة بعض الأحداث بطريقة غير دقيقة، مما يؤدي لانقلاب رأسا على عقب، بحيث تتحول بعض الوقائع الهامشية، الى احداث رئيسية، وفقا لأهواء بعض المؤرخين، فيما تبقى الأحداث المفصلية بعيدة عن الوجاهة، الامر الذي يسهم في انتشار التزييف على نطاق واسع، جراء عملية تناقل التاريخ بصورة معاكسة تماما.

التاريخ المكذوب معضلة قائمة، وسيبقى مشكلة مزمنة، نظرا لاستمرار العوامل، التي ساهمت في تشويه الوقائع، وعدم نقلها بالصورة الحقيقية، فما دامت السياسة تتحكم في تدوين الأحداث، فان التزييف سيبقى أزمة كبرى، في تسجيل التاريخ، بامانة للحفاظ على الأثر البشري.

كاتب صحفي