آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 1:13 م

الصالونات.. الضرورة

محمد أحمد التاروتي *

تمثل الصالونات الثقافية ارض خصبة، لنشر الفكر على اختلافه في المجتمع، من خلال استقطاب النخب الثقافية، وتنظيم الندوات لوضع علامات استفهام، بشأن الملفات الشائكة، واحيانا محاولة الإجابة، على الكثير من الأسئلة الحائرة، مما يسهم في ازالة الغموض، ورفع الالتباس عن عيون وعقول البعض، جراء تصدي النخب لمهمة رفع المستوى الثقافي، والتحدث بصوت مرتفع، الامر الذي يمهدالطريق لاثارة النقاشات الهادفة، والتي تقود بدورها لأحداث حراك غير عادي لدى شريحة، تولي أهمية بالغة بفك الطلاسم، التي تغلف الكثير من القضايا الكبرى.

يكمن التحدي في اختيار القضايا، وكيفية توجيهها بالطريقة المثالية، خصوصا وان التطرّف والتهويل يخرج الملفات الكبرى عن سياقها، ويدفع باتجاهات غير محمودة، الامر الذي ينعكس سلبا على طريقة المعالجة، مما يسهم في احداث انقسامات عميقة في الجدار الثقافي، وبالتالي فان المسؤولية الملقاة على عاتق الصالونات الثقافية، تفرض انتهاج الطريق الواضح، وعدم اتخاذ الجادة المظلمة، في الية التعاطي مع الملفات الكبرى.

وفِي المقابل التعامل بطريقة سلبية، وعدم التعاطي بطريقة مسؤولة، مع القضايا الثقافية الساخنة، والمثارة في الساحة الاجتماعية، يحرم النخب من المشاركة الفاعلة في تسليط الضوء عليها، مما يفتح الطريق امام ”مدعي“ الثقافية، للخوض في تلك القضايا بطرق خاطئة، الامر الذي يقود للتخبيط وانعدام الرؤية السليمة، بمعنى اخر، فان القراءة الدقيقة للقضايا الساخنة، والقدرة على الاختيار السليم، وكذلك تحمل المسؤولية تجاه المجتمع، عوامل اساسية في الارتقاء بالمهام الملقاة، على عاتق الصالونات الثقافية في الساحة، الامر الذي يفسر سطوع نجم البعض، وافول نجم صالونات اخرى، في مختلف المجتمعات البشرية.

التوازن في التعاطي مع القضايا الاجتماعية، ومحاولة السلوك الوسط في المعالجات، تسهم في استمرارية العطاء، وعدم التعرض للانتقادات، خصوصا وان الصدام مع الموروث الثقافي يولد نفورا وتباعدا، مما يستدعي وضع القناعات الاجتماعية، في الاعتبار، فهناك بعض الصالونات الاجتماعية، تسعى من خلال اختيار بعض الملفات، احداث صدمة، وايقاظ الوعي الاجتماعي، مما ينعكس إيجابيا على الارتقاء بالمستوي الفكري، والثقافي لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، بينما تهدف بعض الصالونات الثقافية اثارة بعض القضايا الشائكة، من اجل التلاعب بالموروث الثقافي، من خلال تغليف تلك المحاولات بالتطوير والتحديث، ومحاولة القضاء على التخلف، الامر الذي يحدث حالة من التباعد بين النخب الثقافي والمتلقي، نظرا لعدم وجود نقاط تلاقي بين الطرفين.

ظاهرة اختلاف توجهات الصالونات الثقافية امر ايجابي، فهي تمارس دورا تكامليا من خلال تنويع مصادر الثقافة في المجتمع، خصوصا وان احتكار نشر الوعي يولد نظرة احادية، ويحرم المجتمع من الحصول على تشكيلة واسعة من المعلومات، مما يقود لأحداث حراك غير اعتيادي، وبالتالي ممارسة دور مؤثر في عملية التنوير الثقافي، لدى مختلف الشرائح الاجتماعي.

محاربة الصالونات الثقافية، تنطلق احيانا من مخاوف ليست واقعية بقدر ما تكون هواجس، واوهام بعيدة عن الواقع، فالبعض يتخذ موقفا سلبيا انطلاقا المصالح الشخصية، فيما يخشى البعض الاخر من الدور التوعوي، الذي تلعبه الصالونات الثقافية، مما يدفعه للوقوف في صف المعارضة.

كاتب صحفي