آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

التفاخر.. التوازن

محمد أحمد التاروتي *

الاعتزاز بالنفس، لا يقل أهمية عن احترام الاخر، فالمرء الذي يقدر ذاته يتحرك وفق قواعد ثابتة، تتمثل في تحطيم الحواجز المادية والمعنويات، نظرا للقدرات الهائلة التي يمتلكها الانسان، في تجاوز مختلف الصعاب، بخلاف الاخر الذي لا يقدر ذاته، فهو يسقط في الاختيار، مما يدفعه لتجنب الدخول في التحديات، او الامتحانات سواء السهلة او الصعبة، وبالتالي البقاء في الظل على الدوام، والخشية من تسليط الضوءعليه، نتيجة الاختلال في تقدير الإمكانيات الذاتية.

المشكلة تكمن في طغيان الذات، وتجاوزها الحدود المتعارف عليها، مما يشكل ظاهرة غير صحية، بحيث تجر معها الكثير من التداعيات السلبية، اذ لا تقتصر الامور على الإطار الشخصي، وإنما تتجاوز الإطار الفردي لتشمل الدائرة الاجتماعية، مما ينعكس على العلاقات الانسانية، واحيانا الاطر الاخلاقية، بمعنى اخر، فان التفاخر والاستعلاء على الاخرين، يسهم في تحطيم الجدار الاخلاقي في البيئة الاجتماعية، نظرا لتباعد وجهات النظر في طريقة التعاطي مع الانجازات، فهناك شريحة تتعامل بشكل فوقي مع الاخر، مما يحدث ردود افعال متباينة، وحادة في الغالب، بحيث تتحول الى نوع من القطيعة، وعدم الانسجام في الدائرة الاجتماعية.

الاختلال في إيجاد نوع من التوازن، يولد التفاخر لدى البعض، فانعدام القدرة على التحكم في النوازع الشخصية، ومحاولة كبح جماحها، والفشل في ترويضها، لتكون ضمن السياق الطبيعي، يسهم في طغيان ظاهرة التفاخر بطريقة فجة، وغير محبذة على الاطلاق، خصوصا وان التفاخر ينطلق في البداية من الاعتزاز بالنفس، وعدم السيطرة عليها، مما يجعل المرء غير قادر على التحكم فيها، وبالتالي فان السلوك اليومي يترجم بطريقة متعالية، واحيانا مزعجة للغاية، الامر الذي يؤدي لعدم الاستمتاع لصوت الاخر، بضرورة العودة للوراء ومراجعة الذات، من اجل الحفاظ على النفس من الضياع، والحيلولة دون تخريب العلاقات الاجتماعية، جراء الممارسات غير المتوازنة، واحيانا المجنونة، انطلاقا من التضخم المتنامي في الذات.

امتلاك المهارات او الثروة، تلعب دورا في التفاخر على الاخر، فالمرء ينطلق من الترفع الاخر، من خلال وضع بعض المقارنات المادية والمعنوية، مما يجعله ينظر للاخر بنوع من الاحتقار، بحيث تبدأ عملية المقارنة بشكل تدريجي، ولكنها سرعان ما تتحول الى مرض نفسي، الامر الذي يترجم بشكل عملي، من خلال التعالي والتفاخر على الاخر، ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى? فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى? تُنَزِّلَ عَلَيْنَا و﴿وَقَالُوا مَالِ هَ?ذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ? لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا، وبالتالي فان الشعور بنوع من التغاير مع الاخر، يسهم في زرع بذرة التفاخر في النفس، وبالتالي التحرك باتجاه تخريب شبكة العلاقات الاجتماعية مع البيئة المحيطة، جراء الاحساس بعدم الحاجة للاستمرار، مع الأقل مكانة اجتماعية.

التوازن في الامساك بالعصا، بين الاعتزاز بالنفس، وضرورة استثمارها بالشكل الملائم، يساعد على ضبط الامور، وعدم خروجها عن السيطرة، مما يحول دون إظهار التفاخر على الاخر، انطلاقا من امتلاك بعض المزايا المادية، او الحصول على بعض الثناء، جراء بعض الانجازات العلمية.

كاتب صحفي