آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 9:19 م

المقاطعة.. سلاح

محمد أحمد التاروتي *

تمارس المقاطعة كنوع من الاحتجاج السلمي، او احيانا كسلاح اقتصادي، وتارة اخرى كعقاب سياسي، فالأهداف تختلف باختلاف الجهات المنفذة، كما تختلف باختلاف الظروف المؤاتية، الامر الذي يفسر الغايات المستهدفة، من التلويح بسلاح المقاطعة، بمعنى اخر، فان الطرف المستهدف يقرأ الرسالة جيدا بالنظر للجهة الممارسة، مما يدفعه لاتخاذ الاجراءات المناسبة، تارة عبر تقديم المزيد من التنازلات، للتقليل من الخسائر، وامتصاص موجة الغضب، وتارة اخرى يحاول الاستعداد اللازم، لمقاومة المقاطعة بطريقة مضادة.

سلاح المقاطعة ليس جديدا، كما انه ليس اسلوبا مبتكرا حديثا، فهو احد الأدوات الفعالة، لاجبار الخصم على رفع راية الاستسلام، خصوصا وان النتائج في الغالب تكون إيجابية، نظرا لإدراك الطرف المستهدف، لحجم الأضرار المترتبة، على التمسك بالمواقف السابقة، مما يدفعه لانتهاج سياسة المناورة، والاستفادة من المناخ السياسي لتسجيل نقاط، الامر الذي يمهد الطريق للعودة مجددا، واحيانا بانطلاقة قوية تتجاوز عثرات المرحلة السابقة.

حرب المقاطعة تبدأ كردة فعل، على قرار صادم ومفاجئ، مما يولد حالة من الغضب والاستهجان، بحيث تولد نفورا، عبر تشكيل نواة، للطلاق البائن بين الطرفين، الامر الذي يبدد جميع مساعي الصلح، واعادة الوئام مرة اخرى، بمعنى اخر، فان استخدام السلاح لا يكون مخططا في بعض الاحيان، بقدر ما يظهر كنوع من ”التأديب“، لأحد الاطراف، خصوصا وان التعالي وعدم الاهتمام، بوجهة نظر الطرف المقابل، تسهم في التباعد التام بين الطرفين، مما يحدث نوع من الاحباط الداخلي، وبالتالي التحرك الجاد ”لإعادة الحجر من حيث أتى“، ومحاولة القول ”أنا موجود“، وقادر على توجية الضربات الموجعة، عبر استخدام سلاح المقاطعة، باعتباره احد الأسلحة المؤثرة، في معركة المصالح المتضاربة.

حصد النتائج المرجوة، لسلاح المقاطعة مرتبطة، بوجود العوامل المساعدة، فالعملية مرهونة بالقدرة على حشد الرأي العام، وكذلك امتلاك الأدوات الضاغطة، لاسيما وان الطرف المستهدف يعمد في البداية، لاختراق الرأي العام، للإفلات من تداعيات المقاطعة، بيد ان المحاولات تذهب هباء منثورا، بمجرد تلمس التماسك القوي، والرغبة الجماعية في المضي قدما، في المعركة حتى النهاية، بالاضافة لذلك، فان الدعوات لاستخدام سلاح المقاطعة، ليست كافية بدون امتلاك الأدوات المؤثرة، والمؤلمة، الامر الذي يفسر محاولة التلويح تضييق الخناق على الطرف المستهدف، سواء من خلال عقد التحالفات، مع الاطراف الخارجية للدخول في المقاطعة، او تهديد كل طرف يحاول اختراق المقاطعة، وبالتالي السعي بكل قوة لابقاء الطرف المستهدف وحيدا، مما يفقده القدرة على الصمود، بحيث يفضي للتنازل، وحصد المزيد من المكاسب.

المقاطعة المنطلقة من الاحتجاج السلمي، تفضي في الغالب الى حلول صامتة، او رفض قاطع، بحيث تترجم على شكل قرارات من الطرف المستهدف، فأحيانا تكون الاستجابة، بواسطة ازالة أسباب التوتر، والتراجع عن القرارات السابقة، فيما تكون الإجابة الرافضة، عبر الاصرار على الموقف، والتعنت في الاستجابة للمطالب، مما يحدث حالة من الخصام المؤقت، الامر الذي يفتح الطريق لدخول طرف ثالث، لتقريب وجهات النظر، واعادة العلاقات لسابق عهدها.

فيما يكون الوضع مختلفا، بالنسبة المقاطعة ذات الأغراض الاقتصادية، والسياسية، حيث تولد حالة من التوتر، والدخول في حرب الارادة، والقدرة على الصمود، اذ تستخدم في هذه من المقاطعة، مختلف انواع الأسلحة، من اجل الخروج منتصرا، او تقليل حجم الخسائر المتوقعة، بمعنى اخر، فان سقف المطالَب يرفع عاليا، فيما يتعلق بتحقيق الاهداف الاقتصادية والسياسية، مما يصعب من الوصول الى حلول سريعة، الامر الذي يساعد على امتداد المقاطعة لفترة طويلة، تبعا لقدرة الصمود للطرف المستهدف.

كاتب صحفي