آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

عنترة.. ابن زبيبة

محمد أحمد التاروتي *

يُنادُونني في السِّلم يا بْنَ زَبيبة ٍ+++ وعندَ صدامِ الخيلِ يا ابنَ الأطايبِ

هذا البيت من قصيدة عنترة بن شداد، تكشف اختلاف الخطاب في السلم والحرب، ”وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ“، حيث يتسم الاول بالخشونة والاستهزاء والتحقير، نظرا لعدم الشعور باهمية ترطيب الاجواء، بما يحقق الوئام الداخلي، والحيلولة دون زرع بذرة الاحتراب الداخلي، بينما ينقلب الخطاب رأسا على عقب، بمجرد الإحساس بالخطر الخارجي، مما يدفع لانتهاج طريقة مختلفة، لاستمالة مختلف الشرائح الاجتماعية، فالحاجة لكل الأصوات يجبر اصحاب النعرة الاستعلائية، للتواضع كتكتيك مرحلي، من اجل تجاوز المرحلة الحرجة، لاسيما وان رصد الصف الداخلي يعرقل محاولات العدو، احداث اختراق البيت الداخلي، الامر الذي يساعد على الصمود وتحقيق الانتصار، وافشال جميع المخططات، لتخريب البيئة الاجتماعية.

انتهاج سياسة الخطاب المتباين، في التعاطي مع بعض الشرائح الاجتماعية، مرتبط بالشعور بالاختلاف في المكانة، سواء بالمستوى المالي او نقاوة ”العرق“، حيث يتجلى ذلك في طريقة تعاطي هتلر مع الشعوب الاخرى، وكذلك طريقة تعامل اليهود مع الامم الاخرى، ”وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ“، واحيانا الاختلاف في التعامل مع الاخرين، مرتبط بالثقافة الاجتماعية السائدة، خصوصا وان اخلاقيات التعايش مرتبطة بنمط التفكير السائد في البيئة الاجتماعية، الامر الذي يفسر تبدل التعامل بمجرد الخروج من البيئة السابقة، والاستقرار في مجتمع اخر، وبالتالي فان اعادة ترتيب أولويات الثقافة الاجتماعية، يساعد على طرد ظاهرة استحقار الاخر، مما يؤسس لمرحلة مغايرة تماما عن الطريقة السابقة، لاسيما وان تكريس الخطاب المتناقض في السلم والحرب، يقود الى نوع من القطيعة، والتشكيك في صدقية الخطاب الجديد، نظرا لإدراك احد الاطراف بالظروف القاهرة، التي أسهمت في تغيير لغة الخطاب.

توحيد الخطاب يعزز تلاحم البيت الداخلي، لاسيما وان وضع الحواجز المادية، واحيانا العنصرية، في عملية تقسيم الشرائح الاجتماعية، يسهم في توسيع الفجوة بين جميع أفراد المجتمع، مما يقود الى سهولة اختراق العدو، خصوصا في احساس بعض الفئات بالتهميش، وعدم الحصول على الحقوق الكاملة، بالمقارنة مع شرائح اجتماعية اخرى، بمعنى اخر، فان الخطاب المختلف يحرم شريحة اجتماعية من عملية الاندماج، والمساهمة في البناء والتطوير الشامل، خصوصا وان الاستغناء عن بعض العقول، يحرم الوطن من استثمارها بالطريقة المثالية، مما يدفع البعض للتفكير في المساهمة، في أماكن قادرة على استيعابها، بعيدا عن اللون او الثقافة وغيرها من الامور، التي تكريس عملية التهميش.

الخطاب المتوازن المعتمد على احترام الكفاءات، يمثل المخرج من سياسة الخطابات ”الانتهازية“، التي تظهر على الساحة في أوقات الازمات، خصوصا وان الشعور بالخطر يدفع بانتهاج التقرب من الفئات المهمشة، مما يفرغ الخطاب الجديد من محتواه، نظرا لارتباطه بظرف اجتماعي او اقتصادي او سياسي، بمعنى اخر، فان وضع سياسة واضح في تبني الخطاب القادر، على استيعاب الجميع ضمانة حقيقية، لتحقيق التعايش والتلاحم، لمواجهة مختلف الاخطار الداخلية والخارجية.

كاتب صحفي