آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

خلفاءنا

المهندس هلال حسن الوحيد *

تنضو أجسامنا وتنزع عنها كُلَّ يومٍ خلايا استهلكتها وتنتج خلايا أكثرَ نشاطاً لتبقينا أصحاءَ وفي أعمارنا القصيرة ربما استبدلنا الكثيرَ من الخلايا حيث لا يبقى في أجسادنا دونَ تجددٍ سوى ما كان لازماً ألا يتجدد. هكذا نحن أفراداً وفي ذاتِ الطريقةِ تفنى المجتمعاتُ والبشريةُ جيلاً بعد جيل ويأتي بعدهم خلفاء أكثرَ صحةً وتكاملاً منهم.

تقاسُ حضاراتُ الأممِ بمن تخلفه ويخلفها من أجيالٍ ترقى في العلمِ والأخلاق، يخلقونَ معارفَ جديدةً يعمرونَ بها الأرضَ وينتجون ثماراً أكثر ممن سبقهم. لا حد لما يمكن أن يرتقي الأجيالُ عمن سبقهم في ظِلِّ توفر وسائلِ المعرفة التي لم تكن توفرت لمن قبلهم وبَطَلَ قولُ ”التفاحةُ لا تسقط بعيداً عن الشجرة“ بما يعني الاحتفاظ في الصفاتِ والتشابه، حتى التفاحة ذاتها سطا عليها العلمُ وأعطاها خواص جديدة.

يحتاج كل شابٍ يداً تقول له هاتِ يدك ومؤسساتٍ ترعاه وتستفرغ طاقاتهِ الجسدية والفكرية. لم يعد المنزل والقرية والعائلة تستطيع احتواءَ روحِ وجسدِ الشاب كما في الأمس حيث كان عالمُ الناسِ صغيراً في كل شيء. اتسعت العوالمُ من حولنا وصرنا نرى ونسمع ونلعب ونطيع الربَّ ونمارس الخطيئةَ من وراءِ الجدار.

من مر بعهدِ الصبا لا بد أن أمالت عوده رياحُ الغرورِ وحب المعصية والتمرد على المجتمع إن لم تطح به مع بساطةِ الوسائل وقلةِ المادة. ما تعلمناه من نظم سلوكياتٍ ومعارف لا بد لنا من تذكر أن قانونِ الإرتقاءِ لا يستثنيها. علينا أن نعتني بصحتهم الظاهرية والباطنية في آنٍ واحد. يكتبُ الأحياءُ على قبورِ الموتى أسماءَ أبناءهم حتى يعرفهم من لم يعرف اسمهم الأول ولو عرفوا أن بعضَ الأمواتِ لو عادَ إلى الحياةِ قال لهم: لمَ تصنعونَ لي ابناً لا أعرفه؟ لما كتبوها.

سرقت السنواتُ الحاضرة مستقبلَ ملايين الشباب في عالمنا العربي وفتكت النعمةُ والمالُ والأسرةُ بعقولِ وسلوكياتِ بما بقي منهم.  ورثَ أبناءنا كُلَّ شرورنا، الحروبَ والبطالةَ والبيئةَ وسوءَ استخدامِ التقنيةِ وكرهَ الآخر وازداءَ الذوقِ العام، شرورٌ تحتاج إلى ماءٍ كثيرٍ يغسلها عن اجسادهم.  أولادنا هم الصدى العائدُ من أصواتنا الذي يزعجنا أو يطربنا. هم السفنُ التي تأخذنا إلى جزرِ البقاءِ والديمومة أو القوارب التي لا تبحر بعيداً عن الشاطئ. يبقى في كُلِّ جيلٍ بدوراً كاملةً من الشبابِ تطلع في السماءِ وتهدي من أضاعَ الطريق وأنوارآً خافتةً تظهر عندما تنزاح عنها الغيوم.  

الشبابُ هم الوارثونَ للإنسانية وعلومها وأخلاقها وسلوكياتها، تحيا كلها إذا أحيوها وتموت كلها إذا أماتوهَا. ما يظهر منهم من جمالٍ بيانُ ما خفيَ من أسرارِ أهلهم التي يزهون بها وما يظهر منهم من نقصٍ في الكمال بيان ما كان لزوماً أن يبقى خلف الجدران والأبواب الموصدة. من الحكمة أن تستثمر البشريةُ في وارثيها وخلفائها شعوباً ودولاً، حياتها في حياتهم.

مستشار أعلى هندسة بترول