آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:12 م

الحرب الكلامية.. التنازلات المرجوة

محمد أحمد التاروتي *

النبرة العالية للحروب الكلامية، تمثل احد الأدوات الأكثر تأثيرا على مختلف الاطراف، فكل الاطراف تحاول استغلال هذه الطريقة، في الحصول على تنازلات، او مراجعة للحسابات في اقل التقارير، خصوصا وان الخلافات تدفع لوضع العديد من السيناريوهات، بعضها شديد المرارة، والبعض الاخر اقل حلاوة، مما يستدعي من الاطراف الاخرى التحرك السريع، من اجل اعادة التوازن تفاديا لخروج الامور عن للسيطرة، وبالتالي الانزلاق لمنحدر يصعب معالجته.

اللجوء الى الحروب الكلامية، بمثابة مقدمة لأسوأ الاحتمالات، حيث يحاول كل طرف ضبط النفس، وعدم اتخاذ الخيار الاصعب، مما يدفعه لاستخدام النبرة العالية، والتي تحتوي على التهديد بالويل والثبور، وعظائم الامور، من اجل ادخال الخوف في الاطراف المختلفة، وبالتالي الحصول على التنازلات باقل تكلفة ممكنة، بيد ان الوصول الى طريق مسدود، يسهم في الدخول في خيارات اخرى، أشد وطأة على الجميع، الامر الذي يفسر المغازلة التي يطلقها جميع الاطراف، بغرض تخفيف الحروب الكلامية، واتخاذ منحى المفاوضات المباشرة، او غير المباشرة، بهدف نزع فتيل التوتر، واعادة الامور لسابق عهدها.

الاوراق الضاغطة احد الأدوات الرابحة، التي يحاول كل طرف استغلالها، من اجل تسجيل النقاط لصالحه في الحروب الكلامية، على حساب الاطراف الاخرى، خصوصا وان الافتقار لتلك الاوراق، يجعل بعض الاطراف مكشوفة تماما، امام الاخرين، مما يجبرها على الرضوخ تفاديا للفضيحة، ونشر الغسيل على الملأ، وبالتالي ابداء المزيد من المرونة، تمهيدا لتقديم المزيد من التنازلات، والتي تكون مؤلمة في الغالب، الامر الذي يفسر تحرك كل الاطراف منذ اللحظات الاولى، لانطلاق الحروب الكلامية، لامتلاك بعض الاوراق الضاغطة، من اجل الاستفادة منها في المعركة الكلامية، لاسيما وان هذه المعارك ليس مرهونة بسقف زمني، فبعضها قصيرة المدى، والبعد الاخر طويل الأجل.

التهور في استخدام العبارات النابية، او المفردات الخارجة عن السياق الدبلوماسي، او الكلمات الخادشة للحياء، تشكل نقطة سوداء في سجل الطرف المستخدم لها، حيث يحاول الطرف المقابل الاستفادة من هذه الهفوات، في التأثير على الرأي العام الداخلي، واحيانا الخارجي، من اجل كسب المزيد من الانصار في الحرب الكلامية، خصوصا وان الحروب الدبلوماسية لا تقل أهمية عن المعارك الكلامية، فكل واحدة مكملة للأخرى، الامر الذي يفسر الجهود الكبير للاطراف المتصارعة، لاستقطاب المزيد من التأييد في المعركة الكلامية.

الانتصار في الحروب الكلامية، مرهون بالقدرة الفائقة بإدارة المعركة، بالطريقة المناسبة، خصوصا وان هذه النوعية من الحروب، تستدعي مواكبة المرحلة بأسلوب احترافي، لتفويت الفرصة على الطرف الاخر، بمعنى اخر، فان الحصول على النتائج بحاجة الى امتلاك القدرة، على انتهاج الأسلوب الأمثل، في محاصرة الطرف الاخر، والحيلولة دون اختراق الرأي العام الداخلي، لاسيما وان الرأي العام الداخلي يشكل اكثر الاوراق الضاغطة، في تقديم التنازلات، مما يستدعي افشال كافة المحاولات لاختراق البيت الداخلي، وبالتالي فان المعركة الكلامية، تستدعي القدرة على اللعب، بالورقة الرابحة على الدوام، وعدم ترك الفرصة للاطراف الاخرى، لإدارة المعركة بطريقتها الخاصة.

كاتب صحفي