آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

النورُ والفحمة

أشعلت إمرأةٌ مصباحاً قبلَ طلوعِ النهار، استيقظَ الضوءُ في المصباحِ وأضاءَ ما حوله. نظر النورُ في زهوٍ ورأى فحمةً سوداء في الموقد. قال النورُ من أنتِ أيتها الكتلةُ السوداء المتعرجة الأطرافِ في الزاويةِ البعيدةِ عن كُلِّ جمال، لا يلتفت إليكِ أحد؟

أنا مصدرُ الضوءِ ومن يزيحُ العتمة. أنا من لا يستطيع البشر أن يمشوا في الليلِ ويرونَ دون الحاجة لي. أنا من ينشر البهجةَ والفرح. من أنتِ؟ قالت الفحمةُ للضياء: ما بالكَ اكتسبتَ من البشرِ نظرهم للصفاتِ والهيئاتِ دونَ الحقائقِ والأعمال؟ انا الفحمةُ السوداء التي تجلب الثروة. أنا التي تعطي الدفءَ للعراةِ من البشر وتحت حرارتي احتضنوا بعضهم. قطعتُ ملايينَ السنينِ في التشكلِ والتلون تحتَ ضغطِ الأرض وحرارتها حتى أحترقَ وتضيءَ أنت. عندما يتكلم الناسُ لا يذكرونَ الفحمةَ التي دونها لم يكن منكَ ضياء! انا لو لم آتِ لكَ لم تكن سوى حديدةً تصدأ لا فائدةَ منها. بكَ أبصرَ البشرُ طريقهم نحو الخطايا والآثام. متى ما بدأ نورُ الشمسُ بالظهورِ خفتت الحاجةُ إليك. ألا ترى أيها الضياءُ أنه على العكسِ مني لا ينتفعُ بكَ من لا يرى ولا يستعين بك الجائع؟

قالت الفحمةُ في فلسفتها التي اكتسبتها عبر السنين للمصباح: ألا ترى البشرَ الذينَ تشبهتَ بهم واكتسبتَ صفاتهم يعلقونَ على رقابِ غيرهم نياشينَ النقصِ والهزائم وعلى صدورهم نياشينَ النصرِ والعزة؟ أنا أبيضٌ وهو أسود، أنا عالمٌ وهو جاهل، أنا غنيٌّ وهو فقير. صفاتٌ أعطاها الربُّ لنا لا نستطيع تغييرها وصفاتٌ أعطاها لنا بالقوةِ التي يستطيع كُلٌّ منها أن يحولها صفاتً فعلية. سِرُّ الكونِ في طبقاتِ الأرضِ والسماء وطبقاتِ البشر.

لكل الأشياءِ جانبٌ مظلمٌ بما فيها الإنسان ذاته المصنفُ للأشياء لكن اعطني إنساناً قبل أن تعطيني جانبينِ لشيءٍ مجهول! هو مصدرُ كُلِّ الشرور وهو منبعُ كُلِّ خير، قتلَ الأنبياءَ وعذبهم وصاحب الشياطين. آمن بالأنبياءِ وحاربَ المتسلطين. تستيقظ الدنيا كُلَّ يومٍ على أحداثٍ ومآسيَ يصنعها الإنسانُ لا دخل للفحمِ أو الضياء بها. على الإنسانِ أن يقول فقط هذا لا يشبهني ولي أن أمنعَ عنه الحياة. سوف أبحثُ في الكتابِ القديمِ والتاريخ، لابد أنَّ هناك من قَتَلَ من قبلُ وقرأَ ما يعطيهِ التنويهَ والتبجيلَ وهناكَ متسعٌ تحتَ الأرضِ لمزيدٍ من قبورِ البائسين.

أيّها المزدهي إذا مسّك السقمُ
ألا تشتكي؟ ألا تتنهد؟
وإذا راعكَ الحبيبُ بهجرٍ
ودعتك الذكرى ألا تتوحّد؟
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى
وفي حالةِ المصيبةِ يكمد
أدموعي خلّ ودمعك شهدٌ؟
وبكائي ذلّ ونوحك سؤدد؟
وابتسامتي السرابُ لا ريّ فيه؟
وابتسامتك اللآلي الخرّد؟
فلك واحدٌ يظلّ كلينا
حارَ طرفيْ به وطرفكَ أرمد
 "إيليا أبو ماضي"

مستشار أعلى هندسة بترول