آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 2:09 م

الاتهام.. الملائكية

محمد أحمد التاروتي *

يتقمص البعض دور الخصم والقاضي في الوقت نفسه، فهو لا يكتفي باطلاق الأحكام الجائرة، في العديد من القضايا المثارة اجتماعيا، وإنما يمارس ضغوطا اجتماعية، من اجل اتخاذ مواقف محددة، مما يخرج القضايا من دائرة ابداء الرأي واثراء النقاش، وبالتالي نسف كل ما يحقق المصلحة المشتركة، لاسيما وان انتهاج سياسة الاقصاء تولد انغلاقا فكريا، الامر الذي يحرم المجتمع من مساحات واسعة، لتوسيع الافاق بالاتجاه الإيجابي.

التناقض في تناول القضايا الاجتماعية، يسهم في تشويش الرأي العام الاجتماعي، مما يحدث حالة من الالتباس، وغياب الرؤية الواضحة، بحيث يؤدي الى حالة من الانقسام، خصوصا وان سياسية ”النفاق الثقافي“، لا تقتصر اثارها على المحيط الاجتماعي الضيق، بل تتسع دائرته لتشمل شريحة اجتماعية واسعة، الامر الذي يسهم في تشكيل ضغوط كبيرة، على بعض الاّراء المخالفة، وبالتالي ممارسة الكبت الثقافي على الاخرين.

البعض يتحرك في اتجاهات متناقضة تماما، ففي الوقت الذي يوجه مختلف انواع السهام، والاتهامات، لحملة بعض الافكار المخالفة، فانه يتركب ذات الاعمال في مواطن اخرى، بمعنى اخر، فانه تقمص الدور الملائكي على الدوام، ويحرص على شيطنة الاخر، مما يمثل أجلى مصاديق النفاق الثقافي، حيث يتعمد على انتهاج هذه الممارسة، من اجل الحفاظ على مكانته الاجتماعية، خصوصا وان هذه الفئة تمتلك القدرة على قراءة الواقع، من اجل التعرف الاتجاهات الاجتماعية، مما يدفعها لاتخاذ مواقف ملائكية تنسجم مع ”المزاج“ الاجتماعي.

عملية التلاعب في المشاعر الاجتماعية، مرتبطة بممارسة لعبة، ”الاتهام“ و”البراءة“، فهذه النوعية من النخب الثقافي، لا تتورع عن توجيه الاتهامات، بغرض كسب الرأي العام الاجتماعي، خصوصا وان السكوت او ابداء المرونة، او محاولة إظهار بعض التفهم، يحرمها من تصدر الساحة، مما يدفعها لاتخاذ الخيار الأكثر سهولة، للحصول على التأييد والمناصرة، بمعنى اخر، فان الانصاف وقول الحقيقة، يمثل مخاطرة كبرى، وبالتالي فان مسايرة المزاج العام، يساعد في الصعود الصاروخي، خلال فترة وجيزة، لاسيما وان الصيد في الماء العكر، يعتبر لعبة بعض النخب الثقافي، من اجل التلاعب بالعواطف العامة، ومحاولة التصعيد المباشر تجاه اصحاب الاّراء الاخرى.

ممارسة الدور الملائكي والطهارة والعفة، يمثل الوجه الاخرى لمثل هذه النخب الثقافية، فهي لا تقدمها نفسها كمدافع عن بعض الافكار، والقيم الاجتماعية، ومحاولة الوقوف بحزم امام الافكار المخالفة فقط، فهي تحاول تسويق نفسها بوجه ملائكي، كونها قادرة على إنقاذ المجتمع، من الافكار الهدامة، فهذه المهمة تتخذ أشكالا مختلفة، فتارة تكون عبر التسويق بشكل مباشر، من خلال الدخول في حروب علنية، مع حملة الافكار المضادة، وتارة اخرى من خلال تشغيل الماكنة الإعلامية، لتبيض الوجوه والتحرك الجادة لمسح الصورة السالفة، بهدف الحصول على صك الغفران، من البيئة الاجتماعية، وبالتالي، فان الاهداف الشخصية تمثل المحرك الاساس، وراء رسم الصورة الملائكية، والحصول على التفويض الاجتماعي، لامتلاك الساحة، واستبعاد الأصوات الاخرى.

كاتب صحفي