آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الحروب الاقتصادية..

محمد أحمد التاروتي *

ادخلت الادارة الامريكية الحالية السلاح الاقتصادي، كبديل للحروب العسكرية، باعتباره من اكثر الأسلحة قدرة على التأثير، وخنق الطرف الاخر، مما يدفع الخصم لتقديم التنازلات على طاولة المفاوضات، فواشنطن لم تستخدم العقوبات الاقتصادية على الأعداء، بل لوحت باستخدامه مع الحلفاء، الامر الذي أوجد حالة من الامتعاض، والانزعاج لدى الحلفاء، مما يشكل سابقة من نوعه بعدم مراعاة المصالح المشتركة، لاسيما وان ادارة ترامب ليست في وارد تغليب الدبلوماسية الهادئة، على المصلحة القومية.

الحرب التجارية التي أطلقت الادارة الامريكية، على الشركاء الأوروربيين، وكذلك ضد الصين، بالاضافة الى روسيا، وأيضا على تركيا، من شأنها ترك اثارا اقتصادية كبيرة، على الاقتصاد العالمي، خصوصا وان واشنطن بدأت في ممارسة ضغوط كبيرة، على تلك الدول، بغرض تعديل الميزان التجاري معها، مما يفسر زيادة الرسوم الجمركية، على واردات تلك الدول للاسواق الأميريكية.

الاثار المترتبة على الحروب الاقتصادية، تختلف باختلاف قوة، وتماسك اقتصاديات الدول المستهدفة، فهناك بعض الدول تمتلك القدرة على الالتفاف، على الاجراءات الجمركية الجديدة عليها، من خلال اتخاذ قرار ”المعاملة بالمثل“، بالاضافة للبحث عن بدائل وخيارات اخرى، لتقليل الأضرار الناجمة عن خسارة السوق الامريكية، فضلا عن وجود مقومات حقيقية لتماسك الاقتصاد الداخلي، بينما بدأت التداعيات السلبية تظهر على بعض الدول، جراء الاجراءات الامريكية، مما يكشف عن وجود خلل كبير، في بنية الاقتصاد لتلك الدول، الامر الذي تحاول واشنطن استغلاله، بشكل كبير للحصول على التنازلات.

استخدام اللعبة الاقتصادية، لتحقيق المكاسب السياسية، يمثل الخيار الاكثر وضوحا، لدى الادارة الامريكية الحالية، خصوصا وان خيار الحروب المباشرة ليست مطروحة حاليا، جراء تبدل الكبير في التفكير، لدى صانع القرار الامريكي، فيما يتعلق بالانخراط المباشر في النزاعات العسكرية، وبالتالي فان أمريكا بما تمثله من قوى اقتصادية، امتلاكها القدرة على التحكم، بمفاصل الاقتصاد العالمي، فانها قادرة على اخضاع الاطراف ”المزعجة،“ من خلال استخدام السلاح الاقتصادي، بمعنى اخر، فان الحروب الاقتصادية او ”الناعمة“ تلعب دورا، لا يقل عن الحروب العسكرية المباشرة، لاسيما ان الاقتصاد يمثل عصب الحياة، لاستمرار بعض الدول في مواصلة الصراعات العسكرية.

المراهنة على الحروب الاقتصادية في خنق الدول، وإجبارها على تقديم التنازلات، امر مرهون، بفقدان الدول المستهدفة الأسلحة المضادة، فهناك العديد من الدول تمتلك هامشا كبيرا من المناورة، لتجاوز الاثار الكارثية الناجمة عن العقوبات الاقتصادية، مما يمكنها من الصمود، في وجه الحصار الخانق، لاسيما وان الدول تحاول حماية مصالحها الاقتصادية بمختلف الأساليب، فتارة من خلال عقد التحالف في الخفاء، واخرى بالتعاون المشترك، لتقليل الاثار المترتبة على الحروب الاقتصادية، وبالتالي فان الأضرار الناجمة عن الحروب التجارية، تدفع للبحث عن طرق جديدة، سواء داخليا او خارجيا، لفك الحصار المفروض، مما يعطيها القدرة على الصمود، وعدم تقديم التنازلات الصعبة.

كاتب صحفي