آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

التفكير الجمعي

محمد أحمد التاروتي *

تمثل الجماعة مصدر قوة، وردع في الوقت نفسه، فالجماعة القائمة على مبدأ المشاركة، في السراء والضراء، تحظى باحترام الاخر، وتشكل حائط صد لمحاولات الجهات المتربصة، لاسيما وان القدرات الجماعية تختلف كليا عن الامكانيات الفردية، مما يجعلها في مأمن من المحاولات الساعية، لاسئتصالها او النيل منها، لإدراك الجهات المعادية عدم جدوى تلك المحاولات، نظرا لوجود عناصر ذاتية قادرة، على احباط جميع المحاولات، ”يد الله مع الجماعة“.

العمل وفق قرار موحد، يعطي صورة إيجابية للبيئة الاجتماعية، فهو يتناقض تماما مع تشتت الاّراء، والتنازع في الاتفاق على رأي واحد، ”وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ“، وبالتالي فان الاجتماع على موقف واحد، في مختلف الامور لا يعني عدم وجود الاختلافات، وتعدد وجهات النظر، بيد ان الاختلافات تكون ضمن الإطار العام، بحيث لا تقود للفوضى، والدخول حالة من الاستفراد، خصوصا وان الاّراء تمثل ظاهرة صحية، لمعرفة العقول الناضجة، من العقول غير الراجحة، مما يمثل الخطوة الاساسية للتعرف على اصحاب العقول والحكمة، للاستعانة بها في ابداء الاراءالسديدة، قبل اتخاذ الموقف الموحد، بمعنى اخر، فان التفكير الجمعي لا يعني قمع الاراء، بقدر ما يهدف الى الاستفادة من العقول، للخروج بقرار قادر على حلحلة القضايا، بطريقة مثالية، او اتخاذ القرار، لتقليل من الخسائر المُحتملة.

التفكير الجمعي، يمثل طوق نجاة للتجمعات البشرية، باعتباره الاكثر قدرة على إيجاد الحلول، والقضاء على الاستفراد بالقرار، مما يعطي المجتمع إمكانيات، ليست متاحة على الصعيد الفردي، ”شاورهم في الامر“، فالعقل الراجح قادر على ايجاد الحلول، للعديد من الازمات، والقضايا الشائكة، بيد انه - العقل الراجح - يكون اكثر قدرة مع وجود عقول اخرى، تتحرك بشكل جماعي، من اجل ايجاد الحلول المناسبة، وتقليل من حجم الخسائر المتوقعة، الامر الذي يفسر الحصر على المشورة والنصح، ”هلك من ليس له حكيم يرشده“.

التحرك الجمعي يتطلب وجود ارضية مناسبة، لتقبل الاّراء وعدم التمسك بالرأي، فالجماعة قادرة على تقليب الامور، من مختلف الجوانب، للخروج بتصور موحد، تكون اكثر اتزانا في معالجة القضايا من جانب ومن جانب اخر الحركة الجماعية، تسهم في القضاء على الحالة الفردية، نظرا للتداعيات السلبية الناجمة عن استبعاد الاّراء، والتحرك بشكل منعزل، خصوصا وان التفكير الجمعي يضع الامور في النصاب الصحيح، الامر الذي يساعد في احداث تحولات جذرية، في طريقة التفكير الفردي، وانتهاج اليات قائمة على عدم الاستعجال، في اتخاذ القرار، نظرا للآثار الوخيمة المترتبة على التحرك الفردي، بعيدا عن التفكير الجمعي.

انتهاج التفكير الجمعي، ليس مدعاة للفوضى، وادخال أنصاف العقول، او الجهلة في اتخاذ القرارات، فالعملية مقصورة على العقلاء، والنخب القادرة على المشاركة الفعلية، خصوصا وان ترك الابواب مشرعة للجميع، لا يخدم المجتمع بقدر ما يمثل تدميرا، وصعوبة ايجاد الحلول المناسبة، لاسيما وان البحث عن الحلول للازمات، بحاجة الى عقول قادرة، على الإحاطة بجميع الجوانب، فيما يصعب على شرائح عديدة إعطاء الاّراء، او الاقتراحات المناسبة، بمعنى اخر، فان التخصص والاختيار الصائب، يمثل البداية الصحيحة نحو خلق الظروف المناسبة، للتفكير الجمعي القائم على الاستنارة بالعقول، لتفكيك العديد من القضايا، والازمات الاجتماعية، " اعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله ".

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد جواد ابو الشعير
[ بغداد ]: 1 / 7 / 2019م - 8:35 ص
الحقيقة أعجبت استخدام عبارة التفكير الجمعي بدلا عن العقل الجمعي لأن العقل لا يصدر عنه ولا يدور فيه إلا الصحيح والصواب ولا يتقبل الغلط ولا الخطأ فلا يكون عقلا جمعيا فإما كون تفكيرا جميعا كما تناولتم أو ذهنا جميعا كما أذهب إليه لأن الذهن أداة تفكير النفس والنفس كما نعلم فيها ما فيها من انفعالات خارجة عن سيطرة العقل
كاتب صحفي