آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 12:09 م

الحاجة.. التواصل

محمد أحمد التاروتي *

شبكة العلاقات الاجتماعية، قائمة على قواسم مشتركة، ومصالح متبادلة، فهناك العديد من العلاقات الاجتماعية تمر بمراحل فتور، نظرا لاختفاء المصالح المتبادلة، مما يجعلها حالة سكون، وخمول لفترات متباعدة، بيد انها سرعان ما تعود للحياة مجددا، بمجرد تجدد المصالح، الامر الذي يفسر نشاط بعض العلاقات الاجتماعية، بشكل مفاجئ بعد مرحلة بيات كامل.

العمر الافتراضي للعلاقات، القائمة على القواسم المشتركة، يكون طويلا، نظرا لوجود عناصر ذاتية قادرة، على تزويد هذه النوعية شبكة العلاقات، بمسببات الحياة، فالأطراف المختلفة تتحرك وفق قاعدة حماية العلاقات الاجتماعية، والحفاظ عليها بشكل كامل من الانقراض، او التضعضع، جراء سيطرة المصالح الفردية على العلاقات الانسانية، وبالتالي فان وجود قواسم مشتركة يعزز العلاقات الاجتماعية، ويجعلها في مأمن من عواصف تضارب المصالح، التي تسهم في تخريب العلاقات الاجتماعية، المستندة على القيم الفاضلة.

العلاقات الاجتماعية المرتبطة بالمصالح المتبادلة، ليست قادرة على الصمود، نظرا لإدراك جميع الاطراف مستوى العلاقات القائمة، بمعنى اخر، فان مختلف أطراف العلاقة يتحرك ضمن حدود مرسومة سلفا، مما يضع خطوط حمراء، يصعب على احد الاطراف تجاوزها، نظرا لوجود أطراف اخرى ليست مستعدة للذهاب بعيدا، مما يجعل العلاقة تدور ضمن دائرة معروفة للجميع، لاسيما وان العلاقات تتلاشى بشكل كامل، بمجرد انتفاء الاسباب الكامنة، وراء ظهورها للسطح.

المصالح المتبادلة ليست مشكلة، في حال وضعت ضمن إطار ”الأخذ والعطاء“، فالحياة قائمة على الاستفادة من الاخر، ”لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا“، بمعنى اخر، فان محاولات تبادل المصالح ضمن الوضع الطبيعي، امر غير مستغرب على الاطلاق، خصوصا وان الإمكانيات البشرية تختلف باختلاف القدرات المادية والمعنوية، مما يفرض الاستعانة بالاخر للحصول على المعونة، سواء في القضايا المعيشية، او الاجتماعية، بيد ان المشكلة تكمن في محاولات البعض تسخير العلاقات الاجتماعية، في جعلها ”احادية“ وقائمة على مبدأ ”الأخذ“، الامر الذي يجعل هذه النوعية من العلاقات، غير قابلة للحياة، ومهددة بالانتهاء على الدوام.

اكتشاف النوايا السيئة، والاستغلال الكامل، يمثل احد الاسباب وراء انهيار العلاقات المصلحية، فعندما يشعر احد الاطراف بوجود نيات مبيتة، وغير نظيفة من وراء بناء شبكة العلاقات، فانه يحاول وضع نهاية سريعة، وعدم الانغماس بشكل اكبر، نظرا للعواقب المترتبة على الاستمرار في هكذا علاقات ليست متكافئة، لاسيما وان المرء يحاول تشكيل علاقات وفقا للمنافع المتبادلة، وليس على قاعدة ”الأخذ“، ونسيان مبدأ ”العطاء“ مما يخرج العلاقات الاجتماعية، من سياقها السليم، بمعنى اخر، فان الدخول في علاقات ”احادية“ يمثل خطورة كبرى، على الصعيد الفردي، خصوصا وان العلاقات غير المتكافئة، تحدث شرخا كبيرا، في مجموعة القيم السائدة، مما يمهد الطريق امام سيطرة ثقافة ”الأخذ،“ ونسف ثقافة ”العطاء“، التي تمثل احدى القيم الاساسية، لدى المجتمعات البشرية.

طريقة التعاطي مع العلاقات المعتمدة على المصالح المتبادلة، تشكل المدخل الاساس في تصويب هذه النوعية من العلاقات، فالمرء قادر على تأطير هذه العلاقات، بما يجعلها ضمن النسق الإنساني المعروف، بحيث لا تخرج عن الإطار العام، عبر خلق حالة من التوازن، بين " الأخذ " و" العطاء ".

كاتب صحفي