آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:57 ص

كوليرا

محمد أحمد التاروتي *

عاد وباء الكوليرا للواجهة مجددا، من بوابة الجزائر هذه المرة، فيما تحذر المنظمات الصحية من خطورة الوباء، باعتباره احد أشد الأمراض فتكا بالبشر، جراء سهولة انتقاله، مما يؤدي الى حالات وفاة كبيرة في مختلف الإعمار، الامر الذي يدفع مختلف دول العالم، للمسارعة في تحصين حدودها، واتخاذ الاجراءات الاحترازية لمنع انتقاله، حيث تبدأ باتخاذ التدابير العاجلة لمحاصرة المرض، والتحرك الجاد لتوفير الجرعات اللازمة، لمعالجة حالات الاصابة.

ظهور وباء المرض، يعطي دلالة على وجود خلل في النظام الصحي، لدى بعض البلدان، وعدم اتباع بعض المواطنين الطرق الوقائية، لمنع الاصابة بالمرض الخطير، لاسيما وان الوباء من الأوبئة التي تم القضاءعليها، منذ عقود طويلة وفقا لمنظمة الصحة العالمي، فالعالم لم يشهد ظهور المرض بشكل وبائي خلال العقود الماضية، نظرا لاكتشاف الأمصال القادرة، على القضاء الفيروس المسبب من جانب، وانتهاج برامج تحصين صارمة في مختلف البلدان، بخصوص مقاومة المرض من جانب اخر، وبالتالي فان بروز الكوليرا مجددا يدق ناقوس الخطر، بشأن احتمالية انتقال المرض بشكل كبير، الامر الذي يهدد عشرات المئات من الأرواح.

الهلع المصاحب لاكتشاف حالات مصابة بمرض الكوليرا، مرتبط بالتداعيات المرتبطة في انتشار المرض في المجتمع، خصوصا وان المرض قادر على الفتك بالضحية في غضون فترة وجيزة، في حال لم يتلق العلاج في الوقت المناسب، وبالتالي فان التحرك الجاد لمعالجة المرض بشكل جذري، مما يقود لتهدئة النفوس وازالة أسباب الخوف، لاسيما وان المرض لا يقل خطورة، عن العديد من الأمراض الوبائية، التي تحصد الأرواح سنويا، في مختلف أنحاء العالم.

وفِي المقابل فان الشائعات التي تتسلل في المجتمع، لا تقل خطورتها عن وباء الكوليرا، فالبيئة الاجتماعية التي تعيش على بث الشائعات، لا تعرف الاستقرار والهدوء النفسي، نظرا لوجود أطراف تعمل على الدوام، في إشاعة القلق في النفوس، واحداث شروخ عميقة في العلاقات الاجتماعية، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على النسيج الاجتماعي، نتيجة سيطرة الشائعات على حساب الحقائق، مما يقود لحالات من النفور، وتغليب العداء على الوئام والمحبة.

انتشار الشائعات في المجتمع ليس غريبا على الاطلاق، فهذه الأشياء من الطبيعية البشرية، اذ لا يوجد مجتمع لا يكابد الشائعات على الدوام، خصوصا وان إطلاق الشائعات مرتبط بوجود عناصر، تتولى هذه المسؤولية بشكل دائم، الامر الذي يدفعها لاختلاق الاكاذيب، ونشر الدعايات المعرضة، لأسباب مختلفة بعضها داخلية، والاخرى خارجية، فالمجتمع الذي يعيش حالة من الصراع الداخلي او الخارجي، يكون هدفا دائما للشائعات، بهدف احداث حالة من القلاقل وعدم الاستقرار.

الشائعات خطر كبير على المجتمع، بيد ان الخطورة تزداد مع وجود اطراف تتعامل، مع الشائعات كحقائق على الارض، الامر الذي يَصْب في مصلحة المطلقة لتلك الشائعات، بينما تجاهل الشائعات يقضي عليها في المهد، ويفوت الفرصة على الاطراف الساعية لاصطياد في الماء العكر، بمعنى اخر، فان االتعامل مع الشائعات بالطريقة الصحيحة، يقضي على هذا المرض الاجتماعي، باعتباره من الأمراض الفتاكة بالنسيج الداخلي، الامر الذي يعيد التوازن للمجتمع، ويعزز من التماسك الداخلي.

كاتب صحفي