آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 2:22 م

على ضفاف الصوت الحسيني

المواقف السلبية واللواذ بالصمت تجاه الممارسات العدوانية لا تعني إلا المشاركة والمساندة لدكة الجور والفساد في الميزان الشرعي والإنساني، فالبعض ممن تقوقع وتشرنق حول مصالحه الضيقة، لا يريد فتح باب على نفسه برفع الصوت والإنكار تجاه الممارسات العدوانية على الآخرين، فما من منفعة تجرها له مواقف علنية تحسب عليه وتشخصه كعدو أو شخص مناوئ يقف في وجه الغاشمين، ولذا يرى من الأفضل له - في رؤيته النرجسية - أن يبقى صامتا غير مبال بما يجري أمام مرآه وعلى مسامعه وكأنه لا يشاهد شيئا من الصور القبيحة للعبث بحقوق الآخرين، فلا يهمه ما يقع من انتهاك عدواني صارخ، فكأن الظالم اشترى موقفه المعارض بأغلال حب الدنيا والبقاء سالما غانما بعيدا عما يعرض مصالحه لسوء، فبئس المرء من باع آخرته بدنيا فانية.

والأنكى من ذلك أن ينطق الشيطان بلسانه حينما يبدي الأعذار الواهمة والتبريرات السخيفة لمواقفه المخزية، فيسطر من الكلام المعسول الممزوج بتزييف الحقائق والأحداث ما يجد فيه تشخيصا دقيقا للواقع، والذي على أثره اتخذ الموقف العقلاني المناسب بحسب زعمه، وعليه فلا تثريب ولا مؤاخذة عليه إن عاتب أو لام العقلاء أو الضعفاء تماهيه مع الظلم، فهل ظن هؤلاء أنهم مروا بسلام من مراجعة المجهر المنصف الناظر لمواقفهم؟

إن التاريخ الحقيقي المدون في عقول المنصفين على مر الزمان لن يرحمهم أو يضع هؤلاء المتواطئين مع القوة الغاشمة إلا في خانة القبح واللؤم والخزي، فتبا لكائن كرمه الباري بعقله الواعي تردى ليكون صندوقا أمينا لحفنة مال رحل عنها!!

وطيف آخر في الضفة الأخرى للصوت الحسيني الخالد الصادح بكل شجاعة وجرأة بالإنكار على الظلم مهما كلف ذلك الموقف من ثمن، هو موقف الضعفاء الذين تلحفوا بالانزواء في بيوتهم وخلف إسطوانات دور العبادة، بحجة عدم الانشغال بما يجر للابتعاد عن ذكر الله تعالى الذي لا يتجاوز ألسنتهم ولا ينفذ إلى أفئدتهم الخاوية، وهذا الضعف النفسي والجبن وادعاء فقدان القدرة على مواجهة الظلم بأدنى صوت منكر، ناشئ من فهم عقيم للتدين وقصر دور الدين على مجرد الطقوس التي يؤدونها بحرفنة وإتقان متناه في الصورة والهيئة، دون معرفة واطلاع - ولو كان بسيطا - بمضامين والغايات العالية للعبادات، فالعبادة الواعية تتجسد وتتجلى في منطقه الحكيم وكلماته المراعى فيها رضوان الله تعالى، وفي سلوكياته الناضحة بالتقوى والاستقامة والصلابة في التمسك بالقيم الحقة، دون خوف من ردات فعل الرافضين لها مهما لوحوا بورقة التضييق والتنكيل بمن ناوأهم، فإن الحساب الأخروي والوقوف بين يدي العدالة الإلهية أولى بالمراعاة والتحكيم والتقييم لمواقفه، ولكن خلودهم للراحة وتسلل الشيطان إلى أفئدتهم هو ما جعلهم ينأون بأنفسهم عن شرف الدفاع عن المظلوم والإنكار على المعتدين.

وأما ضفة الشرف والخلود والعظمة فكانت حاوية لمن تمسكوا بصوت الحق الناطق ومسجلة لأسمائهم بأحرف ذهبية، إذ التزموا السمت الحسيني المذكر بمواقف جده المصطفى ﷺ الرافض للفساد والظلم، فكما حطم جده ﷺ أصنام الجهل والضلال والكفر فإن الإمام الحسين أبى إلا تسجيل موقف الأنبياء والصالحين ممن يشكلون الخلافة الإلهية الحقة، فالسكوت عن الظلم لأي سبب كان - خوفا أو مراعاة للمصالح - موقف خزي لا يليق بالشرفاء المضحين، ولذا كان الصوت الحسيني المنكر للظلم والاستبداد عاليا في فضاء الكرامة والعزة.