آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

العزوف.. التوقيت

محمد أحمد التاروتي *

انهاء العلاقات الشخصية او الاجتماعية، مرتبط بمبررات منطقية، واحيانا منطلقة من الاهواء الشخصية، فالعلاقات المستندة على ثوابت، وقواعد متماسكة، قادرة على مواجهة اعتى الدسائس للقضاء عليها، نظرا لوجود قناعات مشتركة بضرورة تجاوز الازمات، والتركيز على المزايا بعيدا عن المصالح الانية، او الاهواء الشخصية، فيما العلاقات القائمة على المصالح مصيرها للزوال والاندثار، نظرا لافتقارها لعناصر الاستمرارية والدوام، الامر الذي يفسر تماسك بعض العلاقات الشخصية لسنوات طويلة، واندثار البعض الاخر بصورة سريعة، ولكنها غير مفاجئة، جراء انعدام المبررات الحقيقية لبقائها في الساحة الاجتماعية.

اضمحلال العلاقات الاجتماعية امر شائع، وغير مستغرب على الاطلاق، فاختلاف المصالح بين أطراف العلاقة، يدفع احد الأركان لاتخاذ قرار انهاء تلك العلاقة، بشكل نهائي، خصوصا وان الاستمرارية ليست ذات جدوى على الاطلاق، نظرا لانتفاء عوامل البقاء على المدى القريب او البعيد، فهناك علاقات اجتماعية ظرفية واخرى مكانية، مما يجعلها مرهونة بظروف خاصة، الامر الذي يفرض إقامة هذه العلاقات، لتحقيق بعض المصالح المشتركة، بيد ان هذه العلاقة سرعان ما تموت بموت مبررات ظهورها للسطح، بمعنى اخر، فان عملية انهاء العلاقات الاجتماعية مرتبط، بنوعية باختفاء مصالح احد الاطراف، بحيث يختفي الطرف المتضرر من استمرارية، تلك العلاقة بصورة مفاجئة.

على النقيض تماما، فان القواسم المشتركة، ومحاولة كافة الاطراف، تقيم التنازلات المتبادلة، يعطي العلاقات الاجتماعية زخما كبيرا، في مقاومة جميع الضغوط للقضاء عليها، خصوصا وان الجميع يدرك أهمية الاستمرارية والديمومة لمختلف الاطراف، والاثار السلبية الناجمة، عن التحرك باتجاه انهاء العلاقات، لاسيما وان موت العلاقة الاجتماعية يؤثر سلبيا على احد الاطراف، مما يستدعي من الاطراف الاخرى تحمل بعض المصاعب، في سبيل إنقاذ العلاقة الاجتماعية من الموت، وبالتالي فان العلاقات الاجتماعية القائمة على تحمل التبعات، وجنى المكاسب من كافة الاطراف، احدى الوسائل لديمومة هذه العلاقات الاجتماعية، لاسيما وان ترجيح كفة المصالح على تحمل بعض المصاعب، المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية، يصيبها بمقتل.

الانطلاق باتجاه البناء، والابتعاد عن منطلق الهدم، والنظرة السلبية، احد العناصر الاساسية في تدعيم جسر العلاقات الاجتماعية، فالتحرك باتجاه تقوية العلاقات، وتجاهل مختلف الإغراءات، لإنهاء، يعطي دفعات قوية لتأسيس صيغة مثالية، ونموذجية لطبيعة العلاقات الاجتماعية، لاسيما وان منطق المصالح يصبغ الكثير من العلاقات الاجتماعية، مما انعكس بشكل او باخرى على طبيعة الثقافة السائدة، ”الكرت اللي تربح به العب به“، بمعنى اخر، فان وضع الاولويات الاخلاقية، كمبدأ ثابت في العلاقات الاجتماعية، يساعد على وضع قواعد مغايرة، لمنطق المصالح في العلاقات الاجتماعية، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على احداث تغييرات، في الثقافة الاجتماعية السائدة، بحيث تتحول بالاتجاه الإيجابي، والاستعداد للبذل والعطاء، عوضا من التركيز على الاستحواذ والأخذ.

بكلمة، ان العلاقات المرتبطة بالمصالح الانية، ليست قادرة على الصمود، ومقاومة التيارات المتضاربة، لأطراف تلك العلاقات الاجتماعية، بخلاف العلاقات القائمة على المشتركات، والقواسم الثقافية، المعتمدة على توزيع المكاسب والخسائر، على جميع الاطراف، فهذه العلاقة قادرة على البقاء، والنهوض بالرغم من بعض العثرات.

كاتب صحفي