آخر تحديث: 16 / 4 / 2024م - 9:58 ص

المعلّم والمتعلّم حِوارٌ على سلّم الصّعود

ليالي الفرج *

الإجازة الصيفية كانت طويلة، والشوق للعودة للمدرسة سمعته من أكثر من طفل؛ لهفة الصغار التي أتمنى أن يتوشحها الطلاب والطالبات من ذوي الفئات العمرية الناشئة واليافعة.

تشير بعض الدراسات أن مدة تركيز الطفل attention span في سن السادسة هي ست دقائق إلى عشر، فيما تعطي دراسات أخرى قانوناً أولياً تقريبياً، تكون فيه مدة قدرة تركيز الطفل مِثْلَي عدد سنوات عمره. بعدها يحتاج الطفل إلى بعض الفواصل الوقتية تتخذ طابع التنشيط والترويح، ومن ذلك ما يصنف تحت تبويب الألعاب التعليمية، وآخر بعنوان التعليم بالترفيه، وهذه بعض من المهارات التي تميّز المعلّم الفعّال عن غيره والمعلّمة الفعّالة عن غيرها. ويرى ميدلي Medley بأنّ فاعلية المعلّم تقاس من خلالما أحرزه طلابه والتقدّم تحقيق الأهداف التربوية، ويؤكد بأنّ قياس فاعلية المعلّم تتم من خلال قياس سلوك طلابه والأثر التي انعكس عليهم من معلّمهم وفق سلّة الأهداف التربوية الموضوعة. وتنسب إلى آينشتاين مقولة: ˮإذا لم تستطع شرح فكرتك، كمعلّم، لطالبك الذي عمره ستّ سنوات، فلعلّك لم تدرك الفكرة بتمامها. ‟

ولعلّ بعض المشتغلين بالتعليم كمهنة، يرون أن مضاعفة حجم الواجبات، والارتجال في تجاوز معايير وضع الاختبارات ضمن أجندتهم التعليمية، غافلين عن حاجة المتعلم إلى أساليب تعليمية تتدرج في الطرح، تبكر خلالها المفاهيم الأساسية للمحتوى التعليمي بألسيب مشوقة وجاذبة؛ إذ يعوّل عليها كأساس يحتاج إلى غرس ورعاية سليمة. وليس مصطلح «مَلَكَة البَيَان» لدى المعلّمة أو المعلّم إلاّ قدرة ومهارة قادة على تبسيط الطرح الأول الذي يؤسس لتوضيح المفاهيم والتعريف بالتقسيمات التي يقدمها المقرر الدراسي، ويحقق إيصال محتواها المشتغلون بالتعليم.

وفي عصرنا يتطلب تعليم الأطفال تقنيات ووسائل تعليمية تشبع الحاجات والدوافع التي لديه. ويستطيع المتميزون في تعليم الطفل توجيهه واستمالته كلّما كانت خطط إدارة الصفّ تسلك الطرق الحديثة التي توفر أنشطة توافق اهتمام الطلاب، وتعنى بالشكل والمضمون في تنفيذ هذه الأنشطة، وللتنويع دور تعزيزي مثمر في استثمار الوسائل التعليمية المتاحة، وابتكار وسائل أخرى، ولا سيما ما فيه دلالات إضافية، مثل الاستفادة من تدوير المواد في إنتاج وابتكار وسائل تعليمية أخرى.

إحدى المعلّمات لديها اهتمام بتطوير مهارة استخدام الألعاب التعليمية لديها، للاستفادة منها في مسيرتها المهنيّة، ومن تلك النماذج طريقة أسمتها: «تكوين التوقّع المُسْبَق»؛ حيث يتم تحفيز الطالبات على التعلّم من خلال تكوين التوقّعات، ولا تختلف هذه الاستراتيجية عن استراتيجية مقاطع البرومو التي قد تكون عن عمل سينمائي أو درامي أو حتى دعاية أعلانية عن مُنتَج تجاري، كما يستطيع المعلّم توظيف ذلك في الصفّ عبر عرض عنوان الدرس وموضوعه، ثمّ محاولة تشجيع الطلاب لوضع توقعات واحتمالات لما يتضمنه محتواه.

أضف إلى إنّ غرس و«بناء القِيَم» لدى المتعلم النّاشئ، هو هدف أساسي ضمن أهداف العملية التعليمية المعاصرة.

يتحدّث معلّم عن إحدى تجاربه في تعزيز مفهوم بناء القيم لدى طلابّه، قائلاً:

ˮكنتُ في حوار مع أحد الطلّاب، وهو في الثامنة من العمر، فقلت له: إذا وجدتَ في المدرسة شيئاً، ولا تعرف صاحبه، كيف تتصرّف؟

فإذا به يقول: «عِطْرُ الأَمَانَة»، فقلت له: ماذا تعني بعطر الأمانة؟، فأجاب: بإن الأخصّائية الاجتماعية في مدرسته، كانت كلما وجد أحد الطلاب شيئاً في الصفّ أو المدرسة، ولا يعرف صاحبه، يتوجه به إليها. ولدى هذه الأخصّائية، زجاجة عطر، أسمتها «عِطْرُ الأَمَانَة»، تضع من ذلك العطر على ملابس الطّالب الذي يحضر الشيء المفقود؛ فيرجع الطالب يتباهى بتلك الرائحة، وذلك العطر طوال النّهار أمام زملائه الصّغار، وكذلك أمام أمّه وأبيه وإخوته عندما يرجع إلى منزله!

لكنّ السؤال الذي يجدر طرحه كخاتمة للحديث، هو: من المعلّم الذي يفضّله الطلاب؟

والجواب: إنّه إذا كان التباين بين معلّم وآخر في الجانب العلميّ والمكتسب المعرفي أمر طبيعي، إلا أن التباين بين المعلمين على مستوى الاتجاهات وخصائص الشخصية أوسع مدىً من ذلك الأول، وفي ذات التفصيل، تظهر بعض الدراسات أن الطلاب يفضلون الخصائص الانفعالية، كالودّ والتعاطف، على بعض الخصائص المعرفية، كالمهارة في أسلوب التدريس.

عاماً زاخراً بالعلم والخير والبِشْرِ والبركات للجميع.

كاتبة رأي في صحيفة الشرق السعودية
شاعرة ومهتمة بترجمة بعض النصوص الأدبية العالمية إلى العربية ، ولها عدَّة بحوث في المجال التربوي.