آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

عاشوريات

محمد أحمد التاروتي *

التعامل مع قضية كربلاء ليس سهلا في العمق وليس معقدا في الوضوح، فمن جانب فان تفاصيل المعركة الخالدة لا تخفى على الجميع، فضلا وضوح الاهداف الكامنة وراء الثورة الحسينية، بينما ما يزال سبر أغوار تلك المعركة عصية، على الكثير من المؤرخين والكتاب، بالرغم من مرور 14 قرنا، فالفكر الإنساني يتحرك منذ قرون طويلة، للوقوف على حقيقة نهضة كربلاء، بيد ان الاجتهادات تبقى ضمن الطاقة المحدودة، نظرا لوجود جوانب ما تزال غامضة، وعصية على البعض، وبالتالي فان تطور الفكر البشري قادر، على الإحاطة بالعديد من الجوانب، خلال العقود القادمة.

كربلاء تعبر الزمن، فهي غير مؤطرة بحقبة زمنية، فكلما مرت السنوات زادت تألقا وسطوعا، حيث فشل الزمن في إطفاء نورها، بالرغم من المحاولات الكثيرة، التي استهدفت القضاء على إشعاع الثورة الحسينية، الامر الذي يعطي دلالة غيبية على وجود إرادة تتجاوز الدسائس البشرية، التي تقودها بعض السلطات الحاكمة، وبالتالي فان الزمن غير قادر على قهر كربلاء، فهي تتجدد على الدوام بحزم يتجاوز السنوات السابقة، مما يشكل محركا حقيقيا في التفكير، في السر الكامن وراء هذه القوة غير الاعتيادية، في هزيمة الزمن والتراخي، في التعاطي مع قضية كربلاء في النفوس.

الجانب العاطفي من معركة كربلاء، يمثل صفحة واحدة من كتاب مكتوب، منذ عام 61 على صحراء الغاضرية، بواسطة سيد الشهداء وأنصاره مقابل معسكر بني أمية، بيد ان الجانب العاطفي يبقى جانبا مهما، في إيصال مظلومية الامام الحسين ، باعتباره احد الأبواب للتغلب، على الحصار المفروض، على نقل المعركة الخالدة، الامر الذي يفسر النتاج الضخم للكثير من الأشعار، التي تحمل قدرا كبيرا من العاطفة، تجاه المعركة التي لم يعرف مثلها في التاريخ، «لا يوم كيوم يا ابا عبد الله».

بالاضافة لذلك فان محاولات قراءة الصفحات الاخرى، في كتاب كربلاء لا يقل أهمية عن صفحة العاطفة، خصوصا وان الكتاب الذي خطته المعركة الخالدة يحمل بالكثير من المواقف، التي تعكس الكثير من الدروس، ذات الأثر الكبير على الفكر البشري، فالمرء بحاجة للتمعن الدقيق، لاغتراف المعارف الجديدة والنافعة، بهدف اثراء الانسانية بالكثير بالعبر، لاسيما وان الحصول على المعرفة، يتطلب البحث والقراءة الدقيقة، لكل ردود افعال الامام الحسين «ع،» واهل بيته وأنصاره، فيما يمكن التعرف على السلوكيات الصادرة عن المعسكر المقابل، ففي الوقت الذي يجسد معسكر سيد الشهداء قمة القيم الاخلاقية، فان معسكر بني أمية يتفاخر بانعدام القيم الانسانية، فضلا عن المبادئ الاخلاقية.

القراءة غير الاعتيادية لكتاب كربلاء امر مطلوب، خصوصا وان المعركة ليست ككل المعارك، التي شهدتها البشرية في التاريخ الغابر، او التاريخ الحديث، فالمعركة تتحدث عن قيم ليست متاحة، في المعارك الحربية على الاطلاق، اذ تتصاغر تلك الحروب امام معركة، لم يتجاوز سقفها الزمن ساعات معدودة، فيما امتدت بعض المعارك الاخرى شهور طويلة، بيد ان العبرة ليست في الفترة الزمنية، بقدر مجموعة العبر والدروس، التي تتركها في الفكر الإنساني، فكربلاء ليست حربا لتحقيق أهداف دنيوية، بقدر ارتباطها بالقيم السماوية، الامر الذي يفسر الخلود الذي ترك الالباب حائرة.

كاتب صحفي