آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

عاشوريات «6»

محمد أحمد التاروتي *

احد التحديات التي واجهت معركة كربلاء، طوال القرون الماضية، يتمثل في المحاولات المستمرة، لتزييف الحقائق وتبرير الفاجعة المؤلمة، فالسلطات الحاكمة دأبت على تصوير الواقعة كصراع سياسي واطماع على السلطة، وبالتالي فان الخلاف ليس مرتبطا بالقيم او المبادئ، بقدر ما يمثل احد ارهاصات التنافس على الخلافة، بمعنى اخر، فان السلطة الحاكمة حاولت تغطية الجريمة، من خلال استخدام المنابر الاعلامية، للتلاعب بالعقول، ومحاولة اسكات الاصوات المستنكرة، لعملية الابادة الجماعية، التي ارتكبها الجيش الاموي في صحراء كربلاء، ”الحسين بن علي خارجي وقتل بسيف جده“.

توزعت ادوار تزييف الحقائق تبعا للظروف السياسية، وكذلك وفقا لاهواء المؤسسة الحاكمة، فتارة تناط العملية للمنابر الاعلامية المختلفة، بغرض ممارسة غسيل الدماغ، على الشريحة الواسعة من المجتمع الاسلامي، وتارة اخرى من خلال تقديم الاموال على الشعراء، والرواة لبث ما يتوافق مع هوى الحاكم، لاسيما وان قضية الامام الحسين فرضت نفسها، على الواقع الاسلامي بقوة منذ عام 61 هجري، مما جعلها احدى المفاصل التاريخية المهمة، في مسيرة الامة الاسلامية، وبالتالي فان محاولات طمسها يمثل الهاجس الاول، لدى الكثير من السلطات الحاكمة، نظرا لقدرتها على تحريك المشاعر، باتجاه تصويب بعض المسارات الخاطئة.

لعبت عملية تزييف حقائق معركة الطف، في تغييب الكثير من التفاصيل، عن الكثير من المجتمعات الاسلامية، الامر الذي يتمثل في الجهل الكبير باهداف الثورة الخالدة، فهناك الكثير من المجتمعات الاسلامية، لا تعرف من معركة كربلاء، سوى اسطر قليلة، جراء التجاهل المتعمد للغوص، في اكبر فاجعة عرفها التاريخ، فالمعركة في بعض الكتب التاريخية، لا تعدو عن كونها ”معركة وقعت في كربلاء عام 61 هـ وانتهت بمقتل الحسين“، فيما تغيب الكثير من التفاصيل المفجعة، المصاحبة لمعركة الطف، الامر الذي يفسر عدم الاهتمام الواسع بالثورة الحسينية، لدى الكثير من المجتمعات البشرية.

وفي المقابل شكل الاهتمام الكبير، من لدن اهل البيت عنصرا مقاوما، لمحاولات طمس القضية الحسينية، خصوصا وان الاهداف المرسومة لدى السلطات الحاكمة، ليست خافية، الامر الذي يتطلب وضع منهجية واضحة المعالم، لوضع النقاط على الحروف، من خلال استخدام مختلف الوسائل، والطرق الممكنة، لاسيما وان المضايقات المفروضة على اهل البيت ”ع،“ فرضت استخدام الوسائل المتعددة، لتفويت الفرصة على السلطات الحاكمة، لقلب الحقائق، فالاحاديث الكثيرة على قدسية قضية كربلاء، وكذلك الحث على زيارة الامام الحسين ، في جميع الاوقات، ومختلف الظروف السياسية، تمثل احدى الوسائل، لابقاء شمعة القضية متقدة في النفوس اولا، والمجتمع ثانيا.

الصراع المحتدم لتزييف حقائق معركة الطف، سيبقى قائما، فالقضية ليست مرهونة بمرحلة زمنية محددة، اذ ما تزال محاولات القضاء على حرارة المعركة، التي تتجدد سنويا مستمرة باشكال مختلفة، فالابواق الاعلامية لا تزال تمارس ادوارا متعددة، في عملية حرف الثورة الحسينية بطرق مختلفة، لاسيما وان تموجات كربلاء ما تزال تأخذ مدى اوسع، في جميع المجالات الحياتية، الامر الذي يدفع الطرف المتضرر للتحشيد، في سبيل تطويق امتدادها، عبر استخدام مختلف الوسائل، للتقليل من مبدئية الثورة الحسينية.

تزييف الحقائق يبقى وسيلة من الوسائل المتعددة، التي تعرضت لها معركة كربلاء طوال التاريخ القديم، والحديث، بيد ان اشعاعات المعركة استطاعت اختراق، الحجب لتواصل العطاء، وتزويد البشرية بطاقة لرفض على الضيم والقهر.

كاتب صحفي