آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

عاشوريات «7»

محمد أحمد التاروتي *

اخلاقيات كربلاء علامة بارزة، تضاف الى جميع الدروس والعبرة الخالدة، التي تركت بصماتها، على كل مشهد من مشاهد المعركة الدامية، فقد سطر الامام الحسين اروع المواقف في الالتزام بالقيم الاخلاقية، بينما سجل التاريخ مستوى الانحطاط الاخلاقي لدى الطرف المقابل، ففي الوقت الذي رفض سيد الشهداء بدء القوم بقتال، والحفاظ على حرمة الدماء، ”إني اكره أن أبدأهم بقتال“، فان الجيش الاموي بدأ المعركة منذ اليوم السابع، عبر قرار منع معكسر الامام الحسين ، من الورود الى الماء ”نهر الفرات“، الامر الذي يكشف المستوى الاخلاقي، لدى معكسر ابن سعد، ”لا تذوق الماء حتى ترد الحامية“.

التناقض الاخلاقي، بين معكسر سيد الشهداء ، وجيش ابن سعد، تمثل في جميع تفاصيل معركة الطف، فالعملية ليست مرتبطة بمواجهة عسكرية بين الرجال، حيث امتدت المعركة لتطال النساء والاطفال، اذ بمجرد سقوط الامام الحسين مضرجا بالدماء، واعلان انتهاء المعركة العسكرية، بدأ الجيش الاموي يظهر المكنون والخسة، فقد عمد الى احراق الخيام، ومحاولة القضاء على الاطفال والنساء، فضلا عن عمليات السلب والنهب، التي مارسها القوم ”اذا لم اسلبك سلبك غيري“، وبالتالي فان المنطق المادي، والمطامع الدنيوية، تشكل احد المحركات الاساسية وراء زحف الالاف، لقتال الامام الحسين في يوم عاشوراء.

بالرغم من الممارسات غير الاخلاقية، التي برزت منذ اللحظات الاولى لزحف الجيش الاموي، باتجاه كربلاء، وممارسة الحصار على الامام الحسين واصحابه، فانه استخدم النصيحة، والموعظة الحسنة، قبل احتدام السيوف، بهدف ازالة الضبابية على عقول غالبية الجيش الاموي، خصوصا وان زياد استخدام الدعاية المغرضة، لتحشيد الالاف لمحاربة سيد الشهداء ، حيث استعان بالسلطة القضائية ”شريح“، لاستباحة دماء الامام الحسين ، باعتباره ”خارجا“ عن السلطة الشرعية، التي يمثلها يزيد بن معاوية.

التزام سيد الشهداء بالمبادئ الاخلاقية، اثار حيرة واعجاب ارباب السير التاريخية، فهو لم ينجر للمستوى الاخلاقي للجيش المقابل، حيث سعى بمختلف الطرق لتجنيب القوم، ارتكاب جريمة استباحة دماء اهل البيت ، فالخطب العديدة التي القاها في يوم عاشوراء، تكشف حرص سيد الشهداء على القوم من دخل جهنم، ”أقول اتقوا الله ولا تقتلوني فإنه لا يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي فإني ابن بنت رسول الله وجدتي خديجة الكبرى وقد بلغكم قول نبيكم لي ولأخي، «الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة»“، بيد ان تلك المحاولات باءت بالفشل، جراء سيطرة الاهواء والطمع في المال عوضا، فبدلا من تحويل السيوف صوب ابن زياد، باتت مشرعة في وجه الامام الحسين «سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم إلباً لاعدائكم على أوليائكم بغير عدل افشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ”، بالاضافة لذلك فان سيد الشهداء“ ع "، سعى لتقريع القوم بطرق مختلفة، وتحريك الحمية العربية، للعزوف عن ارتكاب الجريمة، التي تهتز لها السماوات والارض، «ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون، أجل والله غدر فيكم قديم وشجت عليه أصولكم، وتآزرت عليه فروعكم، فكنتم أخبث ثمر، شجى للناظر، واكلة للغاصب».

كاتب صحفي