آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 6:17 م

عاشوريات «8»

محمد أحمد التاروتي *

السيرة التاريخية لواقعة كربلاء، تمثل شهادة حية لمشاهد الملحمة الدامية، التي سطرها الامام الحسين ، والكوكبة الصغيرة من انصاره، فقد حفلت كتب السيرة بالعديد من التفاصيل، المتعلقة بالمعركة العسكرية، وكذلك الاحداث التي صاحبت حركة سيد الشهداء ، منذ اللحظات الاولى للثورة الحسينية، فالتاريخ تناول الاحداث الصغيرة قبل الكبيرة، سواء في المدينة المنورة، او مكة المكرمة، او المسير الطويل باتجاه ارض الطفوف.

بالرغم من تناول كتب السير بمختلف الاحداث، سواء بواسطة بعض المشاركين في المعركة، او غيرها من الطرق المختلفة، التي حرصت على تدوين اهم الحوادث المفصلية، في معركة كربلاء، فان التاريخ تجاهل بعض الاحداث التي صاحبت الثورة الحسينية، سواء بقصد من الجهات المشرفة على الكتب التاريخية، او بدون قصد، الامر الذي يستدعي الوقوف مليا، امام العديد من الاحداث الصغيرة، بهدف قراءة ما بين السطور، وبالتالي ربط الاحداث بما يسهم في اماطة اللثام، عن بعض التفاصيل المهملة في واقعة الطف.

تلاعب بعض كتاب السير التاريخية بالاحداث، بما يتماشى مع متطلبات السلطات الحاكمة، يشكل معضلة كبرى في اخفاء العديد، من الاحداث المفصلية، في الكثير من المعارك، الامر الذي يدفع الباحث لاستقصاء الاحداث، بطريقة دقيقة للوقوف على بعض الاحداث المهملة، لاسيما وان الاعتماد الكامل على بعض الكتب التاريخية، دون اللجوء الى تنويع قاعدة المطالعة، لاكتشاف الحقائق، لا يقود الى نتيجة على الاطلاق.

المخاوف من التلاعب في الاحداث الدقيقة، لمعركة كربلاء، شكلت احد العوامل الاساسية لحرص اهل البيت ، على نقل الاحداث بشكل دقيق، خصوصا وان الرواة يعمدون في كثير من الاحيان، لتجاهل الامانة في عملية النقل، مما يستدعي وضع تلك الاحداث في الميزان، وعدم الاعتماد على كتب السيرة التاريخية، نظرا لكونها من المصادر غير المأمونة، او تفتقر للقدرة على ايضاح الصورة بشكل امين، وبالتالي فان احاديث اهل البيت ، حرصت على الاهتمام بقضية كربلاء، بشكل استثنائي لتفويت الفرصة على الرواة، في تحريف الاحداث بشكل يخرجها من السياق الطبيعي، بمعنى اخر، فان قضية كربلاء حافظت على مسلسل الاحداث، وفقا لرواية اهل البيت ، سواء كانت على لسان ممن عاش تلك المأساة الدامية، او بواسطة الائمة ، مما يجعل عملية النقل اكثر صدقية من السير التاريخية، التي دونت احداث معركة الطف.

تركيز اهل البيت على نقل الاحداث، وتسجيل ادق التفاصيل، التي صاحبت معركة الطف، ينطلق من الدور غير الاعتيادي، الذي تلعبه في تعطيل محاولات الدولة الاموية، لحرف المسيرة الاسلامية من جانب، والدور غير النزيه للرواة في التلاعب بتفاصيل المعركة من جانب اخر، لاسيما وان الامانة في كتب السيرة ليست مضمونة، نظرا لدور السلطة الحاكمة في اخفاء بعض الاحداث، والتركيز على التفاصيل الهامشية، وبالتالي فان تصدي اهل البيت لتسليط الضوء، على معركة كربلاء بشكل دقيق، وعدم الاعتماد على الرواة، في ايصال الثورة الحسينية، في المجتمع الاسلامي.

الحرب الشعواء التي تعرض لها اهل البيت ، على ايدي السلطات الحاكمة طوال القرون الماضية، وعمليات القمع والابادة الجماعية، التي استهدفت اهل البيت ، شكلت احد العناصر الاساسية وراء النقل الدقيق، لاحداث معركة الطف الخالدة، لحمايتها من عبث الايدي غير الأمينة، خصوصا وان الكثير من الثورات ابان الدولة الاموية والعباسية، تم التلاعب في احداثها، جراء قيام الرواة بتحريف الكثير من تفاصيلها، الامر الذي ساهم في نسيانها، او وصولها بشكل مشوش.

كاتب صحفي