آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 5:41 م

العقل.. التعنت

محمد أحمد التاروتي *

يتخذ البعض التعنت لتغطية المسار الخاطئ، باعتباره الطريقة المناسبة لرفض صوت العقل، فالعملية ليست نابعة عن قناعات او وضوح الرؤية، بقدر تنبع من شعور بحالة من الزهو للوقوف في وجه الجميع، احيانا التعنت مرتبط بانكسار داخلي، مما ينعكس على موقف يسير بعكس التيار، الامر الذي يتضح في التخبط وعدم انتهاج وسيلة واضحة في معالجة الامر، مما يكشف حالة عدم الاستقرار، وضياع البوصلة باتجاه الهدف.

التعنت حالة نفسية لا تمت بالمنطق،، بقدر ما تكشف الضعف وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصائب، ”الاعتراف بالحق فضيلة“، وبالتالي فان الاصرار على الخطأ مرتبط، احيانا بحالة من المكابرة وعدم الرضوخ لصوت العقل، الامر الذي يسهم في التوغل بشكل اكبر في المسار الخاطئ، فالفريق المتعنت يتوارى احيانا خلف القوة، لتجنب التسليم بعدم جدوى الخيار المتخذ، وبالتالي فانه يحاول اجبار الاخرين لانتهاج خياراته غير المستقيمة، من خلال استخدام منطق القوة بعيدا عن منطق الاقناع، الامر الذي يحجب الرؤية عن مشاهدة، الاثار المترتبة على رفض الأصوات الاخرى، خصوصا والسير خلف القرار الخاطئ، لا يصيب صاحبه بالشرر، بل يتجاوز النطاق الجغرافي، ليشمل الدائرة الاوسع.

دراسة الوضع، والتعرف على الظروف، والملابسات، تشكل عناصر اساسية في تدارك الامور، والحيلولة دون الوقوع في الفخ، خصوصا وان المغامرة ومحاولة الاستفراد بالقرار، تكون اثارها وخيمة على الجميع، الامر الذي يتطلب التحرك وفق قاعدة الرؤية الشاملة، وعدم تحكيم العواطف، والقرارات الارتجالية، بمعنى اخر، فان الوقوف على المشكلة، ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة، أجدى من التسرع في الانخراط في تعقيدها، وصب الزيت عليها، فالقرار غير الحكيم يفاقم من القضية عوضا من إنهائها، او الحد من انتشارها، وبالتالي، فان تجاوز معضلة التعنت مرتبط بالقدرة، على ادارة الأزمة بالشكل المناسب، ومحاولة وضع النقاط على الحروف، بما يحقق المصالح المشتركة، وفقا لقاعدة ”الخير يخص والشر يعم“.

احترام عقول الاخرين عنصر أساسي، في تفادي المسارات المتخبطة، واتخاذ القرارات المجنونة، لاسيما وان رفض المشورة، وأصوات العقلاء، يجلب المشاكل، ويدخل شرائح اجتماعية، في انفاق مظلمة يصعب تجاوزها، ”العاقل من جمع عقول الناس الى عقله“، ”من شاور الرجل شاركهم في عقولهم“، بمعنى اخر، فان الاصرار على الموقف، وعدم الالتفات الى الأصوات الاخرى، ينعكس سلبيا على القدرة، في السيطرة على الامور، جراء تفرق الجميع، وضياع الصوت القادر على توحيد المواقف، الامر الذي يقود الى انشقاقات، وتشتت، ومحاولة الابتعاد عن المشكلة، وبالتالي بقاء فريق التعنت في الساحة، دون مناصر او مؤيد.

الكثير من القرارات الملتبسة، ناجمة عن انفعالات غير مدروسة، واحيانا مرتبطة بنوع من النرجسية، والشعور بالقدرة على معالجة الامور، دون الحاجة للمساعدة، الامر الذي يظهر على شكل قرارات متسارعة، وبعضها متناقضة، مما يكشف حالة التخبط، وعدم القدرة على قراءة القضية، بصورة سليمة، بيد ان المشكلة تكمن في الاصرار على مواصلة الجادة الخاطئة، جراء رفض الاعتراف بالخطأ، مما يجعل تصحيح المسار امر غاية في الصعوبة، وبالتالي فان عملية التعنت مرتبطة بالمزاجية، اكثر منها حالة ناجمة، عن قناعات راسخة بصوابية القرار، مما يستدعي التحرك الجاد لإعادة ترتيب الوضع، لإنقاذ ما يمكن انقاذه، عوضا من الغوص اكثر، في وحل المسار المعوج.

كاتب صحفي