آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الدبلوماسية.. الحماقة

محمد أحمد التاروتي *

استخدام اللغة الاحتوائية، عنصر حيوي لتصفير الاعداء، واستقطاب الفرقاء، خصوصا وان الخطاب سفير المرء للآخرين في مختلف الأوقات، الامر الذي يستدعي انتقاء الكلمات بعناية تامة، حتى تكون حاضنة وليست منفرة للمتلقي، بمعنى اخر، فان المرء يحدد سياساته في المسيرة الحياتية، وفقا لنوعية الخطاب الذي يتبناه، في التعاطي مع البيئة الاجتماعية، ”المرء حيث وضع نفسه“، بعبارة اخرى فان الخطاب قادر على اختراق القلوب، باتجاه توحيد الكلمة، كما يمكن ان يكون عنصرا لتمزيق الوحدة الاجتماعية، ”قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى? كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ“.

القدرة على انتقاء الخطاب الجامع ليست متاحة للجميع، فهناك عناصر تحمل نوايا حسنةك ولكنها لا تحسن الاختيار، مما ”يزيد الطين بلة“، وبالتالي فان النوايا ليست كافية، لامتلاك أدوات الخطاب الوحدوي، بقدر ما يتطلب مهارات أساسية، خصوصا وان الخطاب الجامع يحتاج الى لغة خاصة، ولكنها ليست معقدة في الوقت نفسه، وبالتالي فان الاختيار المناسب والظرف الملائم، عوامل ضرورية للتأثير في الطرف المقابل، فهناك اشخاص يمتلكون القدرة على الاستقطاب، عبر الخطاب الإيجابي في مختلف الظروف، الامر الذي ينعكس إيجابيا على الحركة الاجتماعية، باتجاه تعزيز اواصر الكلمة، ونبذ الفرقة والتنافر.

امتلاك الخطاب الاحتوائي احد العناصر لصف الصفوف، وافشال جميع محاولات الاطراف الاخرى، لتمزيق الجسد الاجتماعي، خصوصا وان هناك اطرافا تعمل على مدار الساعة لاختلاق المشاكل، من اجل تكريس الخطاب الطارد في البيئة الاجتماعية، الامر الذي يستدعي وضع الخطط المضادة، لافشال تلك المساعي التخريبية، والتركيز على اللغة الاحتوائية، بمعنى اخر، فان فن الاحتواء قادر على وضع النقاط على الحروف، في اوقات الازمات، وتفاقم اللغة المتشجنة، في العلاقات الاجتماعية.

اللجوء الى المفردات الطاردة ينم عن قصور في الرؤية، وعدم القدرة على ايجاد الحلول المناسبة، لتعزيز اللحمة الاجتماعية، ف ”التنابز بالالقاب“ لا ينطلق احيانا من القوة، بقدر ما يكشف الضعف، وعدم القدرة على استخدام اللغة العقلانية والاحتوائية، بمعنى اخر، ان العناصر الراغبة في تحقيق التوازن الاجتماعي، مطالبة بخطاب قادر على استقطاب الجميع، بحيث يكون محل اجماع عبر استخدام المفردات الايجابية، والابتعاد عن الكلمات السلبية، فالخطاب الايجابي يمثل احد الركائز الاساسية، في وضع الامور في المكان المناسب، نظرا لوجود طاقة معنوية قادرة على اختراق اللغة السلبية، التي يحملها البعض تجاه الاخر، في اوقات الازمات الاجتماعية.

دبلوماسية الخطاب الاجتماعي، احد المتطلبات المحورية، للانتقال من الطرف السلبي الى الضفة الايجابية، فهذه النوعية من الخطابات تمتلك جاذبية كبرى، مما يجعلها محل اهتمام، واستقطاب جميع الفرقاء، بمعنى اخر، فان دبلوماسية الخطاب تمثل القناة القادرة، على ايصال الرسائل الايجابية، لمختلف الاطراف المتباينة، الامر الذي يجعل اصحاب الخطاب الاحتواء موضع تقدير، واحترام من الاطراف المتعددة، نظرا لامتلاك هذه الفئة قدرات جامعة، مقابل الانفعالات الطاردة، التي يتحرك البعض باتجاه تكريسها، وتغليبها على الخطاب الوحودي.

الخطاب الجامع يشكل ضرورة، لتحريك الطاقة الايجابية المدفونة، لدى بعض العناصر، لاسيما وان الازمات تخرج الطاقة السلبية، كنوع من ردات الفعل السريعة، مما يتطلب وجود اطراف قادرة على الاحتواء، واستخدام اللغة الهادئة والباردة، عوضا من الخطاب المتشنج، وغير المتوازن، نظرا لما يمثله هذه من تداعيات، غير خافية على الجميع.

كاتب صحفي