آخر تحديث: 18 / 4 / 2024م - 1:06 ص

تساؤلات حول المقاومة والنهضة

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

ضمن الأطروحات التي سادت إبان حقبة الكفاح الوطني، للتحرر من الاستعمار التقليدي، إثر نهاية الحرب العالمية الثانية، أطروحة الربط بين إنجاز الاستقلال وتحقيق النهضة، حيث ساد في حينه أن المعوق الرئيسي لبناء الدولة الحديثة، هو الاستعمار، وأن مجرد التخلص من الهيمنة الاستعمارية سيتكفل بنقل حياة بلدان العالم الثالث، من حال إلى حال.

مثل هذا الربط، قيل، ولازال يقال، حول العلاقة بين التجزئة والوحدة، وقيل حول علاقة الديمقراطية بالتنمية، فالبلدان العربية، لن تتمكن من إنجاز مشاريع التنمية طالما بقيت مجزأة. وقد حمل هذا المنطق، في جانب منه، إعفاء للأنظمة السياسية السائدة، من النهوض بمجتمعاتها.

وفي السياق ذاته، قيل إن إلحاق أي هزيمة عسكرية، بالمشروع الصهيوني، من شأنه أن يغير كل المعادلات السياسية في المنطقة، وأن يسهم في إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية. وهكذا كان الربط دوما بين العناوين الرافضة للاحتلال والهيمنة، وبين مشروع التقدم والتنمية، وإلحاق أي هزيمة بالمشروع الصهيوني.

لكن ذلك لم يكن دقيقا، في الحالات التي أشرنا لها. وإذا كانت التجربة والمشاهدة والرصد، أدوات عملية وعلمية في استخلاص التجارب، وتقديم البراهين، فإن الواقع المرير الذي تعيشه معظم الشعوب في القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومن ضمنها البلدان العربية، حيث الفقر والمجاعات والخراب والتدمير والتفتيت، والفساد والاستبداد، والعجز عن مقابلة استحقاقات الناس هو السائد في معظم هذه البلدان،، رغم أنها جميعا أنجزت استقلالها، منذ ما يربو على نصف قرن من الزمن.

لدينا على سبيل المثال، في الوطن العربي، أمثلة صارخة، تدحض أطروحة الربط بين المقاومة وبين التمدين والتنمية ومشاريع النهضة. في الجزائر، خاض الشعب العربي كفاحاً مريراً ضد الاستعمار الفرنسي، وقدم على مسرح حرب الاستقلال أكثر من مليون شهيد. هذا البلد العريق، كان عرضة إرهاب الجماعات المتطرفة في السنوات الأخيرة. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن كلفة مواجهة التطرف أكثر من سبعين ألف قتيل. ومثل هذا القول ينسحب على اليمن الجنوبي، الذي قاوم الاستعمار البريطاني، وانتزع بإرادته استقلاله وحريته. ولكنه أين يقف الآن؟ إنه حقا لوضع محزن أن تنتهي كل تلك التضحيات، وبعد سنوات طويلة، بالحال الذي وصلت إليه هذه البلدان.

وفقا لأطروحة المقاومة والنهضة، كان من المفترض أن يضيف نصر أكتوبر، إلى قدرات العرب، في صراعهم مع العدو، بما يمكنهم من استعادة حقوقهم، ويسرع بتحرير فلسطين، وعودة اللاجئين في الشتات إلى ديارهم، لكن ذلك لم يأخذ مكانه.

وفي هذا الاتجاه، لا نهدف مطلقا إلى التقليل من شأن المنجزات التاريخية، التي حققها شعبنا العربي، أو شعوب العالم، في مواجهتها للظلم والاستعباد، ولكن علينا وضع كل منجز، من هذه المنجزات في سياقه التاريخي، ووضع آليات جديدة، لتحقيق العناصر الأخرى، الضرورية، لتغيير واقع الحال، من مشاريع نهضة وتنمية، وتحولات سياسية واجتماعية، بالمعنى الشامل لهذه التحولات.

على الصعيد العالمي، هناك تجربة اقتصادية رائدة في الصين الشعبية، تنافس أكبر قوة اقتصادية عالمية، هي الولايات المتحدة الأمريكية. ولن يجادل أحد، في أن غياب قيم الحداثة الغربية، لم يمنع الصين من النهوض باقتصاداتها، وأن تأخذ مكاناً متميزاً على الساحة الدولية. ومثل هذا القول، ينسحب إلى حد كبير، على روسيا الاتحادية، التي عادت عسكريا بقوة إلى الساحة الدولية، في حين لا تزال مؤسساتها التشريعية، ونظامها الديمقراطي، في طور البداية، ولم يكتمل بعد.

بل إننا نزعم، أن القوى الصاعدة عسكرياً في الحرب الكونية الثانية، في الأيام الأولى للحرب، لم تكن الدول العريقة في ديمقراطيتها، بل نازية هتلر، وفاشية موسوليني واليابان. وأن الذي غير من إيقاع الحرب، ومكن الحلفاء من الانتصار كان التحاق الاتحاد السوفييتي، الذي لا يمكن وصفه بالديمقراطية، إن أخذت بالنمط الغربي، ومعه الولايات المتحدة الأمريكية.

خلاصة القول، نحن بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة لمنظومة أفكارنا، وخلق مفاهيم واستراتيجيات جديدة، لتحقيق التكافؤ بين مشاريع المقاومة ومشاريع النهضة، وعدم التعويل على الأوهام، ووضع كل منجز حقيقي في إطاره الصحيح، وفتح الآفاق لاستراتيجيات أخرى، بما يضمن تحقيق النهضة والتقدم والتنمية، وتعزيز الكرامة الإنسانية.