آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

القصة.. الراوي

محمد أحمد التاروتي *

نجاح القصة مرتبطة بوجود حبكة قادرة على الاقناع، وقدرة فائقة على تحويل الخيال الى واقع ملموس، فالافتقار لتلك العناصر يفقد القصة القدرة على التأثير، فضلا غياب معايشة القارئ لاحداث القصة، الامر الذي يجعلها مادة دسمة لأقلام النقاد، الامر الذي يفسر تربع بعض القصص، لمدة طويلة على سلم عالم الرواية، فيما لا تحظى بعض القصص بالاهتمام، جراء فقدانها للكثير من التشويق، نتيجة المعالجة الرقيقة، لاحداث القصة.

الرواة يمثلون العنصر الاساس، في بناء القصة بالشكل المطلوب، ففي القرون الماضية يحظى الرواة، باهتمام كبير لدى البلاد الحاكم، نظرا لامتلاك هذه الشريحة للقدرة على نسج الخيال، وتأليف القصص وسردها بطريقة مشوقة، مما ينعكس على يشد انتباه الجلوس، طوال مدة سرد احداث تلك القصص، اذ لا يكاد يخلو البلاط الحاكم من الرواة الذين يمتلكون رصيدا كبيرا، من القصص الخيالية التي تسلب لب السامع، ولعل كتاب ”الف ليلة وليلة“، احد الأمثلة على الاهتمام الذي يحظى به الرواة، من لدن الحكام في تلك الحقب التاريخية.

القدرة على تأليف القصص ليست متاحة للجميع، فالبعض يتحرك في عالم القصص، بدون وعي، او امتلاك الأدوات المطلوبة، مما يجعله محل سخرية، وتهكم من القارئ قبل الناقد، نظرا لوجود ثغرات كبيرة في صياغة تلك القصص، خصوصا وان البعض منها تبحر في عكس التيار، او تفتقر للإقناع، بمعنى اخر، فان الدخول في عالم القصة ليس متاحا للجميع، فهناك مفتاح اساسية ينبغي امتلاكها، قبل الشروع في السرد القصصي، لتفادي الوقوع في الاخطاء القاتلة.

القصص القريبة من الواقع، او المقتبسة من الحياة اليومية، تجد طريقها الى النجاح، نظرا لاقترانها مع الواقع المعاش، فالقارئ يتلمس احداث القصة على ارض الواقع، الامر الذي يساعد على التفاعل الكبير، فيما تكون القصص الخيالية او البعيدة عن الواقع اقل تفاعلا، نظرا لوجود مسافة شاسعة مع الواقع المعاش، فالقارئ يتفاعل مع القصص الاكثر قدرة على محاكاة الشارع، والحياة اليومية، بينما الاحداث الخيالية لا تحظى بالاهتمام المطلوب.

التقاط الحياة اليومية، واعادة صياغتها، على شكل احداث درامية عملية، ليست سهلة على الاطلاق، فالقدرة على تحويل الاحداث اليومية، او السلوك الاجتماعي، عملية ابداعية صعبة، الامر الذي يفسر الاختلاف في معالجة البناء القصصي، لدى بعض الكتاب، خصوصا وان الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة امر بالغ الأهمية، لاسيما وان الغوص في الحياة اليومية، يتطلب المعرفة التامة بجميع التفاصيل، والعادات الاجتماعية، من اجل توظيف تلك الامور في احداث القصة، مما يزيد من التشويق، ويضفي هالة من المصداقية على القصة، بحيث يجعل القارئ ينسجم مع القصة، عبر ملامسة الواقع الاجتماعي.

التلازم الوثيق بين القصة والرواي، تجعل عملية استغناء احدهما عن الاخر، مستحيلة للغاية، فالقصة مهما كانت مشوقة ومؤثرة، فانها ستفتقر لذلك بمجرد غياب العنصر القادر، على التوظيف بالشكل المناسب، كما وجود الرواي لوحده دون امتلاك القصة متكاملة العناصر، ليس كافيا على الاطلاق، فالقارئ يحتاج لجميع العناصر، لخروج العمل المتكامل، وبالتالي امتلاك عامل الاقناع والتشويق.

كاتب صحفي