آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 4:37 ص

مبدأ الترفع

محمد أحمد التاروتي *

التجاوز عن الاخطاء، لا يمثل ضعفا بقدر ما يعكس سمة اخلاقية مرموقة، فالمرء الذي يتحرك وفق قاعدة ”اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما“، يحصد الكثير من الاصدقاء، ويجبر الاخر على الاحترام، خصوصا وان الدخول في مهاترات او خلافات يزيد من طابور الاعداء، الامر الذي ينعكس سلبيا على المسيرة الحياتية بشكل عام، وبالتالي فان محاولة امتصاص ردود الفعل العنيفة، امر بالغ الاهمية في التحكم في الانفعالات، والسلوكيات المرتبطة، بممارسات الاطراف الاخرى.

النظرة السلبية تجاه التجاوز عن الاخطاء، تدفع البعض لانتهاج مبدأ العنف وعدم التسامح، الامر الذي يسهم في تدمير نسيج العلاقات الانسانية، خصوصا وان القناعات المستندة على ضرورة اظهار العين ”الحمراء“، تجد اصداء واسعة لدى العديد من الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يفسر الخلافات الواسعة في العديد من المجتمعات البشرية، مما ينعكس سلبيا على طبيعة العلاقات الاجتماعية، فالثقافة القائمة على العنف ليست قادرة على البقاء والحياة طويلا، باعتبارها ظاهرة شاذة، وبعيدة عن النبل الاخلاقية، بخلاف ثفاقة الترفع، فانها قادرة على الحياة وسط البيئة الاجتماعية الموبوءة، بمختلف اشكال الخلافات، خصوصا وان الحالة الايجابية تنتصر في النهاية على النظرة السلبية.

الترفع سمة اخلاقية ليست متاحة لدى الجميع، خصوصا وان السيطرة على الغصب عملية صعبة، الامر الذي يفسر حالة الهيجان والعصبية، التي تتملك بعض البشر، بمجرد وقوع سوء تفاهم، او نشوب خلافات شخصية، بحيث تتطور في بعض الاحيان لاعلان الحروب الشاملة، مما ينعكس سلبيا على شبكة العلاقات الاجتماعية، جراء انقطاع حبال الود بين الاطراف المتنازعة، وبالتالي فان محاولة الدخول في ميدان ”الترفع“، يتطلب الكثير من الجهد، للحصول على هذه الصفة الاخلاقية السامية.

المبادئ الاخلاقية، تمثل البوابة الرئيسيّة، للولوج الى عالم ”الترفع“، لاسيما وان ”فاقد الشيء لا يعطيه“، فالمرء المفتقر للمرتكزات الاخلاقية، غير قادر على زرعها في المحيط الاجتماعي القريب، مما يعرقل جميع التحركات الساعية، لنشر هذه النوعية من الثقافة الايجابية، في المجتمع، وبالتالي فان مجموعة القيم الاخلاقية، بمثابة المحرك الاساس، وراء اظهار الجانب المشرق، من التعاملات الانسانية، بمعنى اخر، فان تبنى مبدأ الترفع ليس كافيا، على الاطلاق في الترجمة على ارض الواقع، لاسيما وان الضغوط الاجتماعي تلعب دورا اساسيا، في احداث تحولات، وتغييرات جذرية في القناعات السابقة، الامر الذي يتطلب وجود مبادئ قوية، قادرة على مقاومة تلك الضغوط الاجتماعية، وقطع الطريق امام اغراءات اعادة النظر، في مبدأ الترفع بشكل جذري.

اشاعة ثقافة الترفع عن الاخطاء في المجتمع، يسهم في تماسك العلاقات الاجتماعية، فالمجتمع الذي يتحرك وفق قاعدة ”التسامح“، او عدم الالتفات الى الخلافات الهامشية، يكرس حالة الوئام ويقطع الطريق، امام التشاحن والبغضاء، نظرا لوجود ثقافة تضغط للنظر للامام، وعدم السماح للتراجع، او عرقلة المسيرة الاجتماعية، بمعنى اخر، فان البيئة الاجتماعية التي تتحرك باتجاه تكريس مبدأ ”الترفع“، تخلق حالة من الانسجام والتعاون، القائم على المشتركات الثقافية، الامر الذي ينعكس ايجابيا على مختلف العلاقات الاجتماعية القائمة.

كاتب صحفي