آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 4:24 م

مسير العاشقين

لفهم وقع خطاهم نحو مهوى أفئدتهم وما يبعثهم على تحمل المشاق وبذل الجهد والمال والوقت، نحتاج إلى عقول واعية ونفوس منصفة تهب هذا التجمع الملاييني حقه من التقييم والدراسة لجوانبه، فهل تجد شخصا يمتلك هذا الرصيد من الحب في القلوب لتقطع المسافات للحظي بجواره وقربه؛ ليشكل هؤلاء المؤمنون الهائمون بعظمة الحسين وإبائه زحفا منقطع النظير لا مثيل له في التاريخ؟!

نقطة البداية في فهم هذه العلاقة بين عشاق الإمام الحسين وقبلة الأحرار هو تسليط النظر على شخصية الإمام ومواقفه العظيمة، ففي وقت تهاوت وسقطت فيه الأقنعة الزائفة وخارت قوى ضعاف النفس ومسلوبي الإرادة وطلاب الدنيا المتعلقين بعرضها الزائل، تجلت الحكمة والثبات والشجاعة والإباء من الإمام الحسين وأصحابه ممن عاهد الله تعالى على صون القيم الرسالية ونصرة أولياء الله والوقوف بوجه الظلم مهما كلف ذلك من تضحيات جسام، بما يذكر بسيرة الأنبياء والأئمة من قبله الإصلاحية وتحمل الآلام والأذى في سبيل ذلك.

لقد تلقى عشاق الحرية والكرامة والكمال والنزاهة من دناءة النفس أعظم درس تجسيدي يرونه، بما يلقي الحجة والبرهان على كل عامل ليتحمل المتاعب فيصبر حاملا هما واحدا هو رضا الرحمن.

رحلة إيمانية تنفتح فيها النفوس تعلما وتهذيبا وتدريبا على المنطق والنهج الحسيني، فهذه الخطى تستحثها الرغبة في القرب من الله تعالى والاستدامة على الخضوع لإرادته وأوامره، فهذه المشيئة الحسينية خططت لتخليد الحسين على شفاه وقلوب الأحرار على مدى الزمان، فمن قتلوه أرادوا إخفاء صوت الحق العالي ووأد كل نفس تتبعه، وإذا بتلك الشجرة الإيمانية التي ارتوت جذورها من دماء الشهداء الزاكية في كربلاء تثمر قيما يهواها ويطلبها المؤمنون؛ ليصطفوا في معسكر الحق والاستقامة.

هذا المسير الروحاني يختفي فيه بعد المسافات، فصوت الإباء الحسيني يصك مسامعهم فيطلبون التمسك بالحق في أحلك الظروف، فهذه الحياة ميدان ابتلاء في جميع أبعاد مواقفنا وعلاقاتنا، وهؤلاء الماشون نحو طف التفاني والشهادة يسعون لهدف محدد، فمسعاهم يستصبحون فيه فكر الحسين ومقاصده وكلماته، ويتفكرون في مواقفه وتضحياته من جهة، والمهاوي التي سقط فيها أعداؤه ممن قاتلوه وظلموه ومن رضوا بذلك؛ ليطبقوا ذلك في ميدان العمل عندما يقفلون راجعين لبلدانهم التي قدموا منها، حاملين معهم زادا حسينيا قد أعاد علاقتهم بالله تعالى في أقوى روابطها، وصفت قلوبهم من كل غل حملوه في لحظة غفلة فيكون شعارهم التسامح، وتوقدت عقولهم متنبهة للأخطار المحدقة بطريقهم الإيماني، وعافوا كل تعلق بحطام الدنيا الفاني فانتشروا باذلين عاطين ماديا ومعنويا.