آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

الترحيل.. التقطيع

محمد أحمد التاروتي *

هناك فرق كبير بين ترحيل المشاكل وتقطيعها، فالاول بمثابة طمر النار تحت الرماد، كمحاولة لاخمادها بشكل نهائي، بيد ان محاولات إخفائها تحت الرماد لا يقضي عليها نهائيا، فالنار مرشحة للاندلاع بين لحظة واخرى، نظرا لعدم استخدام الوسائل المناسبة لاخماد النيران، فيما الثاني ”التقطيع“ بمثابة اطفاء النيران بواسطة قطرات قليلة من الماء، بيد ان السنة اللهب سرعان ما تختفي مع ارتفاع وتيرة التقطير، وبالتالي فان الترحيل يكون نوعا من الهروب للامام، بينما التقطيع يشكل احدى الوسائل المناسبة، لمواجهة المشاكل للقضاء عليها بشكل كامل.

انتهاج ترحيل المشاكل اسلوبا ملتويا، للهروب عن المواجهة المباشرة، لاسيما وان البعض يحاول يتوارى خلف التبريرات، لتجنب المواجهة المباشرة، بمعنى اخر، فان الاساليب الترحيلية تنم انعدام القدرة على ايجاد الحلول المناسبة، الامر الذي يتمثل في محاولة وضع المشاكل في الثلاجة، لتبريدها لفترة قصيرة، بيد ان الامور سرعان ما تعاود للظهور مجددا، نظرا لغياب الحلول الجذرية القادرة على وضع الامور في النصاب، وبالتالي فان المشاكل بحاجة الى طرق ناجعة، وليس الى اساليب التفافية، لا تغني ولا تسمن من جوع.

الالتفاف على المشاكل ليس حلا على الاطلاق، فالعملية بحاجة الى الانخراط المباشر، في دراسة الملفات الشائكة بشكل دقيق، لاسيما وان المواجهة المباشرة قادرة على اكتشاف الخفايا، والتعرف على الحلول المناسبة، بخلاف النظر من مكان بعيد، او انتهاج سياسة ”الهروب“، فهذه النوعية من الحلول تسهم في تعميق الامور بشكل كامل، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة على تفاقمها بشكل كبير، مما يعرقل ايجاد الحلول المناسبة في المستقبل.

فيما التقطيع يمثل احد الحلول المناسبة، فهناك العديد من المشاكل يصعب القضاء عليها، بشكل فوري او خلال فترة قصيرة، مما يستدعي انتهاج سياسة ”الخطوة - خطوة“ من خلال فك العقد الكثيرة الوحدة تلو الاخرى، بمعنى اخر، فان اختلاف وجهات النظر في الاليات المتبعة في حلحلة المشاكل، لا يعني تركها دون معالجة الاطلاق، فالعملية بحاجة الى وقفة جادة، بعيدا عن المجاملة او السكوت او التغافل، نظرا للانعكاسات السلبية المترتبة على سياسة ”السكوت“، او الاجحام عن التفاعل الايجابي مع المشاكل القائمة.

ساسية التقطيع تظهر اثارها جليا، في التقدم بشكل تدريجي، في وضع الحلول المتدرجة، خصوصا وان عملية الاتفاق على الحلول تتطلب جولات كثيرة من المفاوضات، الامر الذي يستدعي الاتفاق على نقاط الالتقاء كخطوة اولى، مما يؤسس لمرحلة ايجابية، بحيث تظهر على شكل خطوات اخرى، بمعنى اخر، فان حلول ”الحزمة الواحدة“، تكون صعبة في احيان كثيرة، لاسيما مع تمسك مختلف الاطراف بمواقفها، وعدم التنازل للاطراف الاخرى، مما يستدعي التحرك باتجاه التقطيع، واختيار الطريق الاكثر وعرة، بحيث يتجلى على شكل التمسك بالحلول الجزئية، وصولا الى الحلول الجذرية، وبالتالي فان سياسة القطيع تكون مجدية، في ايجاد الحلول للسيطرة على الملفات الشائكة، باعتبارها الاكثر قبولا لدى مختلف الاطراف، فهي تنطلق من قاعدة المشتركات، وصولا الى نقاط الاختلاف، مما يؤسس لتعزيز الثقة بين الفرقاء، لتحقيق الاتفاق الشامل، على مختلف نقاط الاختلاف في نهاية الامر.

كاتب صحفي