آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:44 م

محنة الإمام العسكري في الطريق الرسالي

ونحن نقف بين الصفحات المشرقة للسيرة النورانية المعطاءة للإمام الحسن العسكري ، نصبغ عقولنا بالوعي والنضج أمام موجات الشبهات الفكرية، ولتزداد عزيمتنا قوة ونشاطا في مواجهة الظواهر السلوكية المنحرفة، فتلك الظروف الصعبة التي واجهها الإمام بلغت الذروة في التضييق والأذى والهجوم النفسي بشتى الوسائل، بغية الوصول إلى هدف العتاة الجبابرة وهو الحفاظ على عروشهم المتهاوية وإطفاء نور الله تعالى المتمثل بصوت الحق الذي ينطق به الإمام، فإن مكانة الإمام ومصداقيته والقناعة بقوله ومنطقه وتوجيهه نابع من تميز ومظاهر الفضيلة المتجسدة في شخصيته، فهذه الشهادات لا تسمعها من محبيه ومريديه بل حتى ممن يكن له الكراهية والبغضاء حسدا لما حازه من شأن رفيع في سماء الكمال، ولذا فإن مجرد لقاء الناس به واستماعهم له يشكل كابوسا مخيفا، وخطوة لابد من وقوفهم اتجاهها ومنعها بالقوة والتهديد، فلجأت السلطة إلى لونين من محاولة إسكات صوت الحق والهداية ظنا منهم أن الساحة تفرغ، لاستباحتها بالفساد والعربدة ونهب مقدرات الأمة.

واجه الإمام العسكري السجن لفترات متفاوتة كما حصل لآبائه ، واللون الآخر هو الإقامة الجبرية في البيت منعا لأي التقاء وتواصل اجتماعي مع الناس كما حدث لأبيه الإمام الهادي، مما أحدث حالة فراغ لابد من معالجتها إذ أن الإمام المعصوم يشكل قطب الرحى وشمس المعرفة والتقوى ومرجعية الأمة في شئونها الدينية والاجتماعية والاقتصادية، فكيف يمكن لهم تحصيل المعارف بشتى أبوابها القرآنية والفقهية والأخلاقية، وأنى لهم بمعالجة حالة الفقر والاحتياج التي ازدادت رقعتها بسبب الاستبداد بأموال المسلمين، وبأي حجة ومنطق وبرهان يستدل أتباعه وشيعته أمام الشبهات التي تترى أمامهم والمتعلقة بتوحيد الله عز وجل وشبهة تناقض آيات القرآن والتجسيم وغيرها؟

في الفترات القليلة التي سنحت للإمام العسكري لقاء الناس وتحلقهم من حوله، كان يمدهم بالمعارف الإلهية والتوجيهات المتعلقة بشئونهم المختلفة، ولكن لا يخفى أن التضييق على الإمام له أمد يطول والناس ستدخل في نفق مظلم من التخبط والحيرة أمام سيل جارف من الافكار الخاطئة، فما هو الحل المسعف للتوجيه والتبليغ واستمرار الخط الرسالي في وسط هذه الأزمة الحادة والخانقة والعاصفة؟

بلا شك أن مرحلة الإمامين العسكريين «الإمام الهادي وابنه الإمام العسكري» تمثل مرحلة برزخية ما بين معاصرة الإمام برؤيته وتلقي المعارف من منبره مشافهة، وما بين المرحلة الآخيرة من سيرة الأئمة وهي غيبة الإمام المهدي والتي يكون الاتصال فيها عن طريق الكهف الحصين للمؤمنين وهم الفقهاء العدول، والناس بحاجة لتهيئة لتلك المرحلة من الغيبة بما يحفظ وجودهم وفكرهم من النقلة الصعبة، ولذا نهض الإمام العسكري بأعباء هذه المهمة في وسط هذه الظروف الصعبة عن طريق إقامة نظام الوكلاء، فما هي طبيعة هذه الخطوة؟

في كل بلدة وناحية من الأمصار والبلدان التي يتواجد فيها شيعة أهل البيت ومريديهم، عين الإمام العسكري فقيها يمتلك مقومات المعرفة والكفاءة الإدارية والسمت الأخلاقي الذي يأهله لتسنم منصب النيابة والوكالة عن الإمام المعصوم في تصريف شئون الناس، بالإجابة على أسئلتهم وحل ما يواجههم من معضلات ومشاكل وتقسيم الحقوق الشرعية على محتاجيهم بما يسد باب الاعتياز، وهكذا استطاع الإمام العسكري أن يمهد لغيبة ابنه الإمام المهدي فقد أصبح تغييب الإمام أمرا معتادا، وكذلك توفير قناة ونظام يسد الحاجة لوجوده في ظل الأوضاع الصعبة والتي تحمل الإمام المسئولية فيها.