آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 2:01 م

مقدمات الأسماء

المهندس هلال حسن الوحيد *

في الطبيعةِ يجري الماءُ من التلةِ للوادي ويعطي الغنيُّ الفقيرَ وتسري القوى الفيزيائيةُ من الأكثر كماًّ للأقل. هكذا ينتقل العلمُ، من العالم للجاهل. يسري السمُّ في الطبيعةِ عندما يتسرب الجهلُ للعالمِ ثم ينقله للجهلاءَ على أنه علم، يأخذونه ويعملونَ به ويفرحونَ أنهم أصبحوا جهلاءَ دون أن يعلموا!

تعطي مقدماتُ الأسماءِ لأصحابها صفاتاً تدل على أنهم أرقى درجةً في المعرفةِ ولا يجب البحث عنهم عندما يكون للإسم مقدمة، في كل مجالاتِ معرفة الحياة من الدينِ والدنيَا والمال. تكون مقدمةُ الإسمِ القوةُ الجاذبةَ، مثلَ النارِ تجذب الفراشات. وتزداد سمومها عندما لا يدرك العالمُ حدود علمه وأنه انحدرَ في وادي الجهلِ من الجنبةِ الأخرى:

فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفة ً

حفِظْتَ شَيئًا، وغابَتْ عنك أشياءُ

العلمُ خطٌّ لا متناهٍ من المعرفةِ والجهل خط لا متناهٍ من عدمِ المعرفة وبدون دلالاتِ العلم يقول الناسُ للجاهلِ المطلق أنت جاهل لا تزيد في علمنا ولكن مع رقي الإنسانِ درجاتِ العلم وتزويره للمعرفة يظن الناسُ أنه عارف. مقدماتُ الأسماءِ تأتي في حروفٍ وفي صفاتٍ إسمية وفي هيئاتٍ جسميةٍ وشكليةٍ ينضم بها قليلُ المعرفةِ ولا يُعرف دون الحكِّ والامتحان من ذوي الخبرة.

يسهل في يومنا قص ولصق بعض المعرفة أو ما يشبهها أو خلطها بمعارفَ متسالم عليها أو نسبتها لمن عنده سمةُ المعرفة وبالتالي تكون معرفةً مثلَ بقيةِ المعارف. في المال يستشير الفقراءُ المختصونَ ولديهم مقدماتُ أسماء وفي تقربهم للآخرةِ يبحثونَ عمن عنده صفة أو مقدمة الطاعة، وعندما يمرضونَ يرجونَ الشفاء، أليسَ من الحماقةِ زيادة فقرهم أو جهلهم؟

كان انتشار المعرفةِ أو الجهل في القديمِ عن طريقِ الألسنِ والقراطيس التي ليس من السهلِ أن تصلَ ملايينَ البشرِ في مدةٍ قصيرة ولكن في عصرِ التقنياتِ تنتشر جراثيمُ الجهلِ في ثوانٍ قليلة. ربما من الصعبِ أن يعرف الصحيحُ المريضَ ويبتعد عنه أو الجاهلُ من يشبههُ ويبتعد عنه، لكنه ليس من المستحيل استخدام العقلِ الذي بين أذني البشرِ لرميِ ما يستطيع العقلُ من نفايةِ المعارفِ دون الركضِ بها وحملهما مثل الحمارِ الذي يحمل كتباً لا يستطيع قراءتها واستخلاصَ المعارفِ منها.

على العلم نبكي إذ قد اندرس العلمُ

ولم يبق فينا منه روح ولا جسمُ

ولكن بقي رسم من العلم دارسٌ

وعمّا قليل سوف ينطمس الرسمُ

فآن لعين أن تسيل دموعها

وآنَ لقلبٍ أن يصدعه الهمُّ

صوتُ العالمِ ينادي الجهلاءَ كل يومٍ تعالوا هلموا تعلموا وكم من عالمٍ استحقَّ أن يُشِيرَ الناسُ إليه بأصابعهم ويقولونَ هذا هو النورُ الذي نستضيء به ونعطيه المقدمةَ والهيئةَ ونقول له لولاكَ بقينا في أوديةِ الجهلِ وكنا هياكلَ تشبه البشر، أجساداً دونَ عقول، هكذا هم العلماءُ وهكذا نعرفهم. في كُلِّ يومٍ ينادينا العلمُ: أنا لا أشبه الجهلَ، أنا نورٌ كيف لا ترونني؟ لكن البشرَ يختلط عليهم بإرادتهم نوري وظلمةُ الجهل!

مستشار أعلى هندسة بترول