آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

الحب مجهود كبير عليك بذله

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

في المساء أكون تلك المدينة الموجوعة القلب، وكل ما حولي حزين، ورغماً عني أبتسم للجميع دون استثناء، وعليّ تذكر اسم كل من يمر بي أو يتحدث معي، أليس هذا جهداً يضاف للجهد النفسي الذي علينا بذله في هذه الحياة؟ أتساءل كيف تمكن الشعراء من الاحتفاظ بجمرات الحب داخل قلوبهم دون أن تحرقهم أو تنطفئ، فقد أثار الشعراء حفيظة العقلانيين حينما جنحوا نحو العاطفة واستشعار جمالها ووضعوها في هذا القالب، حيث الصراع الأزلي بين العقل والعاطفة، فالعقل لا يستطيع أن يُحسّ ويستشعر الجمال بالوجود، هو فقط مرشد مثل النجم القطبي في السماء، أو يعمل كناسخ ضوئي ينقل الصور للقلب فيستشعرها وينعم بجمالها، فدرجة الإحساس بجماليات المشاعر والإيمان بأهمية الحب تختلف من إنسان لآخر، فهناك من لم يدرس الفلسفة ومن لم يفهم التحليل النفسي، كذلك لا يستطيع فك شيفرة رموز محمود درويش أو حتى تفسيرها، ولا يستطيع أن يقرأ نوتة واحدة لبيتهوفن أو فاغنر، ولم يشاهد لوحة لبيكاسو أو رامبرانت، ومع ذلك لديه حسّ عالٍ في التعامل مع الأشياء الجميلة من حوله ولدية قدره عالية على تذوقها بشكل مميز وتقييمها.

وإذا كنا نستطيع أن نتعامل مع الأشياء بلغة علمية مرتكزة على نظريات وبشكل مجرد، فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن المشاعر بذات اللغة ونقيسها بالمسطرة والقلم، كذلك من الظلم أن نتعامل مع أنفسنا بمنطق جامد صرف، فقراءة الإنسان في عمقه الحقيقي مطلب وليس رفاهية للتعرف على توجهات بوصلته من أجل التعامل معها لنحسّن من طريقتنا في التعامل مع الحياة، والحب أحد أشكال العلاقة وهو نابع من عمق الإنسان الحقيقي، فهو ليس حالة عارضة أو وعكة صحية يمر بها الإنسان ويتعافى منها، هو مثل المرض المزمن الذي تستطيع أن تتعاطى معه طوال حياتك وأحياناً تجد لذة في عذاباته، وهو في الحقيقة من خواص الإنسان الطبيعي، ومن امتيازاته، حيث إن مشاعر الحب تبقى فوق القياس والتجربة، فلكل مرحلة عمرية مشاعرها ولا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة، فلغة الحب فطرية وليست صناعية، وكلما كان الإنسان أقرب إلى طبيعته الفطرية حيث الصفاء والنقاء والتلقائية كلما وُجد الحب بقلبه بكثرة، وأدرك أهمية الحب، وبقدر حظ الإنسان من فطرته الأولى سيدرك الحب الحقيقي، وكلما كانت مشاعرك أقرب للطفولة أي أقرب للفطرة بعفويتها وتعبيراتها وانفلاتها من قيد عالم الكبار كلما أحببت بشغف وانطلاق ومتعة تضاهي كل جمال، فالحب هو إحياء للطفولة التي ماتت فينا بفعل طاحونة الحياة المعقدة التي دهستنا تحت عجلتها وأفقدتنا معنى أن نكون نحن، وكيف نشعر، ومن أجل صغار الحب في هذه الحياة لابد أن نسامح ونتجاوز الحماقات لنعطي، وننعم بالسكينة.