آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 1:42 ص

اللحظية.. المستقبلية

محمد أحمد التاروتي *

النظرة الآنية ليست كافية لقراءة الواقع على الدوام، نظرا لوجود ترابط بين الاحداث الماضية والحالية، فالقضايا متشابكة بعضها البعض، باعتبارها حلقات كل حلقة مرتبطة بالأخرى، مما يستدعي محاولة استدعاء الماضي لاستخلاص العبر، والاستفادة من التجارب على اختلافها، بحيث تكون طريقا لتفادي العثرات المستقبلية، لاسيما وان تجنب الاخطاء الماضية، يسهم في الوصول الى الضفة الاخرى باقل الخسائر في الغالب.

عملية التعاطي مع القضايا المستقبلية ليست عشوائية، او ارتجالية بقدر ما ترتبط بمستوى الوعي، وبمجموعة التجارب المتراكمة، فالخبرة تلعب دورا كبيرا في وضع الامور في النصاب الصحيح، ”في التجارب علم مستحدث“، لذا فان التعويل على الرؤية المستقبلية، مرهون بالقدرة على القراءة الواعية للأحداث الحالية، والاطلاع على الملفات الماضية، بهدف وضع التصورات المناسبة، لتكون خارطة طريق نحو الامام، بمعنى اخر، فان الخبرة المتراكمة تمثل احد العناصر الأساسية، لخلق واقع مغايرة للتعاطي مع الواقع بنظرة مستقبلية، بعيدا عن الانغلاق او التقوقع في الماضي.

النظرة المستقبلية لا تمثل اختراقا لحجب الغيب، بقدر ما تحاول التحرك وفق الامكانيات المتاحة، والاجتهادات القابلة للتطبيق، فالمرء مطالب بالتحرك بما يحقق عمارة الارض، او الخلافة على المعمورة، وفقا للإمكانيات التي منحها الخالق للانسان، من خلال البحث الدائم عن تحقيق مصالحه الذاتية، ذات الاثر الإيجابي على البيئة الاجتماعية، بمعنى اخر، فان الحديث عن المستقبل يحفز على التحرك، باتجاه خلق الظروف المناسبة لتطوير الذات، ومحاولة الخروج عن المألوف بطريقة ابتكارية، لاسيما وان الطرق التقليدية ليست قادرة، على ايجاد المناخ المناسب للنهوض الشامل، وبالتالي فان محاولة البحث المستمر عن الوسائل المساعدة، لعبور الواقع باتجاه المستقبل امر حيوي، وضروري، نظرا لانعكاساته على الصعيد الذاتي، والاجتماعي في الوقت نفسه، مما يحدث انقلابا جذريا في طريقة العمل، لتجاوز النطاق الضيق، والانطلاق في الفضاء الرحب، من خلال امتلاك الاليات والادوات اللازمة، للدخول في الزمن المستقبلي، بكل قوة ورحابة، بعيدا عن الضغوط او المؤثرات السلبية.

التوازن بين اللحظة الراهنة، والنظرة المستقبلية، يخلق حالة من الاستقرار النفسي، والعملي في الوقت، فالتراخي في استغلال اللحظة الراهنة، يترك اثارا سلبية على الوضع الاجتماعي، مما ينعكس بصورة سلبية على المساحة المتاحة للتحرك، وتسجيل المزيد من النجاحات على الصعيد الشخصي، مما يستدعي توفير الاسباب اللازمة لاستغلال اللحظة الراهنة، ”ضياع الفرصة غصة“، كما ان الانغماس غير الواعي في اللحظات الحالية، بعيدا عن التفكير المنهجي المستقبلي، قد يخلق بعض المصاعب في المسيرة الحياتية، لاسيما وان المرء مطالب باستخدام النظرة البعيدة، استنادا على اللحظة الراهنة، مما يسهم في احتساب الخطوات بدقة متناهية، بمعنى اخر، فان تغليب كفة على اخرى لا يخدم المشروع الشخصي، واحيانا الاجتماعي، الامر الذي يستدعي الحرص على التوازن على الدوام، نظرا للاثار الايجابية المترتبة على التوازن، خصوصا وان القرارات الارتجالية، تترك اثارا سلبية ليست خافية على الجميع.

الدعوة للنظرة المستقبلية ليست رفضا للواقع المعاش، او تعبيرا عن اليأس في الحياة، بقدر ما يمثل خطوة اساسية للتحرك وفق قواعد ثابتة، لرفد المسيرة الحياتية بتجارب، قادرة على تزويد الحقب القادمة، بالطاقة لمواجهة تعقيدات المراحل القادمة، خصوصا وان تعقيدات الحياة والتطورات المتلاحقة، تتطلب امتلاك القدرة على التحرك بحرية، وفك القيود المفروضة على التفكير، للانطلاق باتجاه الافاق الواسعة، لرسم واقع مغاير تماما عن المرحلة الراهنة.

كاتب صحفي